• الحمدللہ محدث فورم کو نئےسافٹ ویئر زین فورو 2.1.7 پر کامیابی سے منتقل کر لیا گیا ہے۔ شکایات و مسائل درج کروانے کے لئے یہاں کلک کریں۔
  • آئیے! مجلس التحقیق الاسلامی کے زیر اہتمام جاری عظیم الشان دعوتی واصلاحی ویب سائٹس کے ساتھ ماہانہ تعاون کریں اور انٹر نیٹ کے میدان میں اسلام کے عالمگیر پیغام کو عام کرنے میں محدث ٹیم کے دست وبازو بنیں ۔تفصیلات جاننے کے لئے یہاں کلک کریں۔

استشكال وجواب مفصّل عنه!

شمولیت
اپریل 27، 2020
پیغامات
514
ری ایکشن اسکور
167
پوائنٹ
77
استشكال وجواب مفصّل عنه!


السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

حياكم الله وبياكم شيخنا ووفقكم لما يحبه ويرضاه وفتح عليكم من فضله وجوده وإحسانه.

أخوكم من الشام (سوريا) متابع لكم ومن محبيكم في الله حفظكم الله وسائر المسلمين .

أولاً : أعتذرُ لدخوليَ الخاصَّ فلا أعلمُ إن كنتم تسمحون بذلك أم لا وأعتذرُ لإرسالي في وقتٍ متأخرٍ .

ثانياً : لديَّ إشكالٌ باركَ اللهُ بكم وهو لا بدَّ من قلةِ علمي وضعفِ بضاعتي وما سألتُ إلا امتثالاً لقوله تعالى : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) .

بحمدِ اللهِ أُسلِّمُ أن التكفيرَ بمعنى (نفيِ الإسلامِ عن عابدِ غيرِ اللهِ ) أنه من أصلِ الدينِ ومما يدركُ لغةً و عقلاً وشرعاً وأُقِرُّ بالمناطاتِ التي ذكرتُمُوها في تكفيرِ من أثبتَ للمشركِ الإسلامَ للجهلِ أو التأويلِ أو التقليدِ أو غيرِ ذلك .

لكن بالمقابلِ هل يقالُ أن (إثباتَ الإسلامِ لمن عبدَ اللهَ وحدَه بلا تشريكٍ ) من أصلِ الدينِ كذلك .

وإن كان نعم ، فهل يكون من كفَّرَ مسلماً وسماه مشركاً أو كافراً بغير مُكَفِّرٍ ، كافرٌ ابتداءً أيضاً لنفسِ المناطاتِ التي في النوعِ الأولِ وأن التأويلَ والجهلَ ونحو ذلك غيرُ معتبرٍ لأن ذلك ينقضُ أصلَ الدينِ أيضاً .

لأنني عندما أسمعُ قصةَ سيدِنا عليٍّ رضيَ اللهُ عنه مع الخوارجِ (وهم قد كفروا المسلمين بغير مكَفِّرٍ ووصفوهم بالكفر ) وأنه رضي الله عنه لم يكفرهم فعندما سُئل أكفارٌ هم قال : من الكفر فروا .

وهذه الحادثةُ وقولُ طائفةٍ من أهلِ العلمِ بعدمِ تكفيرِ الخوارجِ (مع كونهم كفَّروا المسلمين بغير مكفِّر تأويلاً أو جهلاً أو غيرهما) مما يُورِدُه الخصومُ وقد قرأتُهُ منذ زمنٍ وأنه يلزمُ منه تكفيرُ الصحابةِ ولم يكن معرفُك عندي فأستفصلُ منك فما الجوابُ بارك الله فيك وحبذا أن يكون فيه نوع تفصيلٍ حتى أستفيدَ منه حفظكم الله.

قال الشيخ أبو سلمان حسان الصومالي حفظه الله:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وإياكم وفقكم الله وسدد خطاكم وبارك فيكم

الحمد لله، الذي بنعمته تتم الصالحات والخيرات، والصلاة والسلام على النبي الأمين ذي البركات والمعجزات، وأسأل الله العليّ القدير أن يمنّ علينا بالسداد والتوفيق.

أما بعد: فقد بان أن الإسلام والشرك نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، وأن التناقض يدركه من تصوّر ماهية الشيء وما يقابلها من الحقائق المنافية لها كالمنافاة بين الإسلام والشرك، وأن من عرف حقيقة الإسلام، ثم علم أن فلانا فاعل للشرك فقد علم ضرورةً انتفاء التوحيد والتفريد من فاعل الشرك ذاك؛ لأن الصفتين المتقابلتين بالسلب والإيجاب إذا وُجِدت إحداهما انتفت الأخرى، وانتفاء أحداهما يوجب ثبوت الأخرى؛ ولهذا أجمعوا على استحالة الجمع بين الكفر والإيمان في محلّ واحد.

هذا الأصل يقتضي أنه لا مانع من التكفير بعد وجود الكفر، وأنّ كلّ عذر يُذكر في المقام: فإما أن يَمنع وجودَ حقيقة الكفر أو لا يمنع وجودَ الكفر في الخارج.

فإن منع قيامَ حقيقة الكفر بالمرء فلا كفر ولا تكفير؛ لانتفاء المناط، وإن لم يمنع وجودَ الكفر في الخارج وجب الكفر والتكفير؛ لوجود المناط، وإلا لزم اجتماع الكفر والإيمان في شخصٍ، وهو ممتنع عقلا ونقلا.

هذا، وقد عُلِم أنّ الجهل بالحكم لا يمنع وجودَ الكفر في الخارج، فيلزم تكفير المشرك الجاهل؛ لوجود الكفر وقيامِه بالجاهل قيامَه بالعالم من غير فرق من هذه الجهة.

ومن لم يكفّر المشرك فقد أقرّ على نفسه الجهل بحقيقة الإسلام، والجاهل بالإسلام كافر، ضرورةَ انتفاء المعرفة بالإسلام عن الجاهل به، وامتناع صدق المشتقّ (المسلم) مع انتفاء المشتقّ منه (الإسلام).

والمقصود: ثبوت الإسلام مع الشرك من المستحيلات العقلية والنقلية؛ ومن ثّم نفي الإسلام عن المشرك أصل لا يعذر فيه أحد بجهل ولا تأويل، وأنّ الحكم بالإسلام للمشرك يوجب للحاكم الجهلَ بحقيقة الإسلام لاستحالة الجمع بين الإسلام والشرك في محلّ واحد.

أما الجواب عن الطرف الثاني من السؤال:

(هل يكون من كفَّرَ مسلماً وسماه مشركاً أو كافراً بغير مُكَفِّرٍ، كافرٌ ابتداءً أيضاً لنفسِ المناطاتِ التي في النوعِ الأولِ، وأن التأويلَ والجهلَ ونحو ذلك غيرُ معتبرٍ؛ لأن ذلك ينقضُ أصلَ الدينِ أيضاً)

فيتمّ تلخيصه في وجهين:

الوجه الأوّل: مجمل، وهو: أنّ الإسلام يتأثّر بالذنوب إمّا نقضًا أو نقصا على ما عرف.

والنافي للإسلام عن المُذْنب يُراعي استحالة الجمع بين الإيمان والكفر في محلّ؛ فلا يلزمه الجمعُ والرفع للنقيضين لكن يلزم الحاكم بإسلام المشرك الجمع بين النقيضين، وهو أصل الفرق بين الرجلين مع ما يأتي من الفوارق.

وعلى هذا: انتفاء الإسلام عن المذنب ليس من المتسحيلات العقلية، ومقتضاه: إثبات الإسلام للمذنب ليس من أصل الدين الذي لا يعذر فيه بجهل ولا تأويل.

الوجه الثاني: مفصّل، ويتبيّن بالمسائل الآتية:

المسألة الأولى:
تكفير المسلم بتكفير آخر مسألة اختلاف على ما نقله المتأخرون!

والمنقول عن إجماع أهل السنة والجماعة عدم التكفير به، وأن تكفير المسلم من غير كفر من المعاصي التي تجامع الإيمان ولا تنافيه.

قال الإمام ابن عبد البر (463هـ) في أحاديث النهي عن تكفير المسلم:

«والمعنى فيه عند أهل الفقه والأثر، أهلِ السنة والجماعة: النهي عن أن يكفِّر المسلمُ أخاه المسلم بذنبٍ أو بتأويل، لا يخرجه من الإسلام عند الجميع.

فورد النهي عن تكفير المسلم في هذا الحديث وغيره بلفظ الخبر دون لفظ النهي، وهذا موجود في القرآن والسنة ومعروف في لسان العرب...

ومثل هذا كثير من الآثار التي وردت بلفظ التغليظ، وليست على ظاهرها عند أهل الحق والعلم؛ لأصول تدفعها أقوى منها من الكتاب والسنة المجتمع عليها، والآثار الثابتة أيضا من جهة الإسناد...»، ونحوه عند الإمام الخطابي.

هذا نصّ ظاهر في حكاية إجماع أهل السنة وغيرهم على عدم التكفير بالتكفير بذنب أو بتأويل.

نعم، نُسب التكفير إلى اختيار الإمام البخاري وهو خلاف قول مشايخه كابن المديني وأحمد وغيرهما من أئمة الأثر، وخلاف إجماع أهل السنة وغيرهم على ما حكاه ابن عبد البر.

والأشبه: أنّ البخاري لا يخالف الجماعة؛ لأنّ تراجمه في «الصحيح» لا تقتضي إلا أن التكفير بغير تأويل كفر، وهذا لا يوجب الكفر الأكبر لوجود الواسطة.

كذلك شيخ الإسلام ابن تيمية لا يخالف الجماعة، وما جاء في «منهاج السنة» (4/505) لا يقتضي إلا كون ذلك كفرا وهو لا يستلزم الأكبر.

وإن قيل: إنه ظاهر في الكفر الأكبر؟

قيل: يعارضه ما جاء في كتاب «الإيمان الكبير» (ص652)؛ لأنّه ظاهر في أنّ تكفير المسلم بتأويل أو بذنب من المعاصي التي دون الكفر، فإما أن نجعل له قولين في المسألة، وهو خلاف الأصل، أو نفسّر ما في (المنهاج) بما في (الإيمان الكبير)؛ لأن (المنهاج) متقدّم و(الإيمان) متأخر؛ ولأنه أخصّ بمباحث الإيمان والكفر.

المسألة الثانية: من أطلق الكفر على مسلم لا يخرج أمره عن حالين:
الأولى: أن يكفّر أخاه المسلم لأمرٍ يحتمل الكفر.
الثانية: أن يكفّره اعتباطا لا لأمر يحتمل الكفر.

فإن كفّره لأمر يحتمل الكفر، فالمكفِّر لم يقع في كفر؛ لأنّ المكفِّر بأمر يحتمل الكفر لم يقصد أن يكفّر مسلما، بل قاصد أن يكفّر فاعلا للكفر في اجتهاده، فتكون المسألة من باب انتفاء الكفر لانتفاء سببه.

ألا ترى الشارع أدار الحكم وجودًا وعدمًا على ظهور الكفر وعدمه للقائل: يا كافر؟
وقول العلماء: من كفّر مسلما بغير تأويل فهو كافر كقولهم: من فعل الكفر من غير إكراه فهو كافر؛ لأننا نستدلّ بالإكراه على انتفاء القصد إلى الفعل، كما نستدلّ بوجودَ الأمر المحتمل للكفر على أنّ المكفِّر لم يقصد أن يكفّر مسلما، وإنما قصد أن يكفّر كافراً، والقصد شرط في تحقق السبب في الأحكام التكليفية.

المسألة الثالثة: إذا انتفى الأمر المحتمل للكفر عُرِف أن القائل: (يا كافر) مطلق للكفر اعتباطا، وهي الصورة الخلافية على ما قيل.

والظاهر: أنّ الشارع اعتبر تكفير المسلم على سبيل الشتم من غير سببٍ وأمرٍ يحتمل الكفر معصيةً دون الكفر على قول جمهور السلف والخلف على الأقلّ.

أمّا تكفيره على سبيل الاعتقاد فقد أحطتَ أنه لا يوجد مسلم يكفِّر مسلما على هذا الوجه إلا لكفرٍ حقيقي أو إضافي بالنسبة إلى اعتقاد المكفِّر!

ومرّ أيضا أنّ التكفير للأمر المحتمل يمنع القصد إلى السبب، وهو القصد إلى تكفير مسلم، وهو شرط في وجود السبب فتخرج المسألة من أصل البحث، ولا يقال في حقه: وجد السبب فوجب أن يوجد المسبب.

وإذا لم يكن التكفير الاعتباطي كفرًا أكبر فلأن لا يكون التكفير التأويلي كفرا أولى وأظهر على الإنصاف.

والمقصود: أنّ تكفير المعيّن على سبيل الشتم ليس كفرا، وإنما هو من المعاصي التي لا تنافي الإيمان كالقتال والقتل كما في قوله تعالى: ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما﴾ وقوله عليه السلام من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه: «ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله» «ومن لعن مؤمنا فهو كقتله، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله» «ومن شهد على مسلم أو مؤمن بكفر فهو كقتله، ومن لعنه فهو كقتله»، «لعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله»، وروي من حديث عمران بن الحصين مرفوعا: «إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فهو كقتله».

حديث ثابت بن الضحاك في الصحيحين، وحديث عمران في مسند البزار ومعجم الطبراني ومعجم الشيوخ لابن جميع، وإسماعيل بن إسحاق في جزء من أحاديث أيوب السختياني، من طرقٍ عن حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران به.

قال البزار: «فذكرنا حديث عمران لحسن إسناده، ولأن عمران أجل جلالة، ولا نعلم روى هذا الحديث إلا حماد بن سلمة» وفي موضع آخر: «فذكرنا حديث عمران لجلالته...»، وقوّاه المنذري والهيثمي وابن رسلان، وخالفهم أبو حاتم الرازي فذكر أن ابن سلمة وهم في إسناده.

وبيّنٌ أن قتل المسلم ولعنه ليس كفرا أكبر، وقد شُبِّه التكفيرُ بالقتل واللعن، والمشبّه أنقص من المشبّه به؛ وعليه: قتل المسلم ولعنه أعظم وأشد إثما من تكفيره.

وإذا لم يكن الأشدّ وهو القتل كفرا أكبر، فأولى أن لا يكون الأخفّ - وهو التكفير- كفرا أكبر.

وإذا احتمل الكفرَ الأصغرَ أصرحُ نصٍ في الكفر ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾ عند بعضهم؛ فلا بُعد في الحمل على الأصغر في مسألتنا.

لا يقال: قوله عليه السلام (فهو كقتله) من باب التشبيه المقلوب لأمرين:

الأول: الأصل عدم القلب، وهو نادر؛ فلا يحمل عليه النص إلا لضرورة، ولا ضرورة.

الثاني: ذكروا أن التشبيه المقلوب لا يقع في كلام الله وكلام رسوله عليه السلام.

على هذا كون تكفير المسلم كفرًا أكبر لم يدلّ عليه كتاب ولا سنة مجتمع عليها في تأويلها، ولا إجماع محفوظ، ولا قياس على منصوص بخلاف الحكم بإسلام المشرك؛ فإن الإجماع الضروري انعقد على تكفير من لم يكفّر الكافر الذي عُلم كفره من ضرورة الدين؛ ولأن الحكم بإسلام المشرك يوجب الجمع بين الإسلام والشرك في محلّ واحد فيقتضي الجهل بحقيقة الإسلام، بخلاف تكفير المسلم فإنه:

- إما نفي للإسلام لذنب لا يجامع الإيمان في نظر المكفِّر فلا تجتمع الحقيقتان ولا ترتفعان.

- وإما شتم اعتبره الشارع كذبا، والكذب لا ينافي الإسلام فلا تجتمع ولا ترتفع الحقيقتان (الإيمان والكفر) عن المحلّ الواحد.

المسألة الرابعة: من هذا الباب عدم إكفار الخوارج بتكفيرهم للصحابة لأمور:

الأول: أنّ الخوارج لا يكفّرون جملة الصحابة، بل بعضهم كما هو معروف.

الثاني: تكفير المسلم بالذنب أو بالتأويل لم يكن كفرا في عصر الصحابة أو ليس كفرا مطلقا على نقل ابن عبد البر عن العلماء.

الثالث: لا نحفظ التّصريح بتكفير الخوارج عن أحد من الصحابة وأئمّة الأمصار كأبي حنيفة والثّوري والأوزاعيّ ومالك واللّيث بن سعد والشّافعي وأحمد بن حنبل.

وإن صحّ تكفير الخوارج عن أحد من الأئمة المقتدى بهم فهو محمول على كفر حدث فِيْ بعض فرق الخوارج بعد عصرهم؛ لأن تكفيرُهم بذنبٍ كان موجودًا فِيْ عهود السلف خرقٌ للإجماع.
أو يُحمل على أنّ القائلَ بالتّكفير لم يعلَم إجماعَ الصّدرِ الأوّل لأنَّ إجماعَ العلماءِ منَ علم الخاصّة الَّذِيْ يخفى عَلَىٰ العلماء كما تخفى السّنّةُ عَلَىٰ الآحاد.

وإذ بان أنّ الشارع اعتبر الشتيمة بالكفر قذفا لا كفرا أكبر بقي أن نبيّن لماذا لم يكن التكفير بالذنب كفرا أكبر وهذا يتم في:

المسألة الخامسة: كلّ من الكفر والمعصية انتهاك لحرمة الربوبية لخبر الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: «ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإذا كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى، فينتقم لله عز وجل بها» وفي هذا المعنى أحاديث وآثار.

ولا ريب أن انتهاك حرمة الله بالكفر أشدّ وأخص من انتهاكها بالذنوب مع الاشتراك في أصل المعنى والنهي والتحريم.
قال العلامة القرافي في صعوبة الفرق بين ما هو كفر وما ليس كفرا من المعاصي:

«أما ما يتعلق بالجرأة على الله تعالى فهو المجال الصعب في التحرير؛ لأن مخالفة أمر الملك العظيم في جميع المعاصي صغائرها وكبائرها جرأة عليه كيف كان، فتمييز ما هو كفر منها مبيح للدم موجب للخلود في النار مما ليس كذلك هو المكان الحرج في التحرير والفتوى، والتعرض إلى الحدّ الذي يمتاز به أعلى رتب الكبائر من أدنى رتب الكفر عسير جدا، بل طريق المحصِّل: أن يُكثر من حفظ فتاوى المقتدى بهم من العلماء في ذلك، وينظر ما وقع له: هل هو من جنس ما أفتوا فيه بالكفر، أو من جنس ما أفتوا فيه بعدم الكفر؟ فيلحقه بعد إمعان النظر وجودة الفكر بما هو من جنسه، فإن أشكل عليه الأمر، أو وقعت المشابهة بين أصلين مختلفين، أو لم يكن له أهلية النظر في ذلك لقصوره، وجب عليه التوقف، ولا يفتي بشيء، فهذا هو الضابط لهذا الباب، أما عبارة مانعة جامعة لهذا المعنى فهي من المتعذرات عند من عرف غور هذا الموضع».

وقال في الفرق بين قاعدة المعصية التي هي كفر وقاعدة ما ليس بكفر:

«اعلم أن النهي يعتمد المفاسد، كما أن الأوامر تعتمد المصالح؛ فأعلى رتب المفاسد الكفر، وأدناها الصغائر، والكبائر متوسطة بين المرتبتين، وأكثر التباس الكفر إنما هو بالكبائر، فأعلى رتب الكبائر يليها أدنى رتب الكفر، وأدنى رتب الكبائر يليها أعلى ربت الصغائر.

وأصل الكفر إنما هو انتهاك خاصّ لحرمة الربوبية... فقولنا: انتهاك خاص احتراز من الكبائر والصغائر فإنها انتهاك وليست كفرا».


وقال في موضع آخر في بحث آخر:

«ويلحق بتحرير هاتين القاعدتين الفرق بين قاعدة الصغائر وقاعدة الكبائر، والفرق بين قاعدة الكبائر وقاعدة الكفر.


وما الفرق بين أعلى رتب الصغائر وأدنى رتب الكبائر، وما الفرق بين أعلى رتب الكبائر وأدنى رتب الكفر.

وهذه مواضع شاقة الضبط، عسيرة التحرير، وفيها غوامض صعبة على الفقيه والمفتي عند حلول النوازل في الفتاوى والأقضية واعتبار حال الشهود في التجريح وعدمه، وأنا أخص من ذلك ما تيسر وما لا أعرفه وعجزت قدرتي عنه فحظي منه معرفة إشكاله فإن معرفة الإشكال علم في نفسه وفتح من الله تعالى».

ثم أطال في هذا السياق إلى أن قال:

«إذا تحرر بالتقريب الكبائر من الصغائر، وأن ذلك يرجع إلى عظم المفسدة فنرجع إلى تحرير ما يعلم به الكفر من الكبائر فنقول:


أصل الكفر اهتضام جانب الربوبية، ولكن ليس ذلك على الإطلاق فقد يكون الاهتضام بالكبيرة أو بالصغيرة وليستا كفرا، بل لا بد من الوصول إلى رتبة خاصة من ذلك، وتحريرها أن الكفر قسمان: متفق عليه ومختلف فيه هل هو كفر أم لا؟

فالمتفق عليه نحو الشرك بالله وجحدُ ما علم من الدين بالضرورة كجحد وجوب الصلاة والصوم ونحوهما، والكفر الفعلي نحو إلقاء المصحف في القاذورات وجحد البعث أو النبوات أو وصفه تعالى بكونه لا يعلم أو لا يريد أو ليس بحي ونحوه.

وأما المختلف فيه فكالتجسيم وأن العبد يخلق أفعاله وأن إرادة الله تعالى ليست بواجبة النفوذ، وأنه تعالى في جهة، وأنه ليس بمنزَّه ونحو ذلك من اعتقادات أرباب الأهواء....

وبالجملة: فعلى الفقيه أن يستقرئ كتب الفقهاء في المسائل التي يُكفّر بها، المتفق عليها والمختلف فيها، فإذا كمل استقراؤه نظر إلى أقربها إلى عدم التكفير بالنظر السديد إن كان من أهل النظر في هذه المسائل فإنه ليس كل الفقهاء له أهلية النظر في مسائل التكفير.


فإذا صحّ ذلك اعتقد حينئذ أن تلك الرتبة أدنى رتبة التكفير، وأن ما دونها أعلى رتبة للكبائر، وكذلك إذا استقرأ رتب الكبائر المتفق عليها والمختلف فيها فإذا كمل استقراؤه نظر إلى أقلها مفسدة جعلها أدنى رتب الكبائر، والتي دونها هي أعلى رتب الصغائر».

علق عليه ابن الشاط بقوله:

«إن أراد بالفقهاء من حصل رتبة الاجتهاد فكلهم له أهلية النظر في مسائل التكفير وفي غيرها على أصح القولين وهو أن الاجتهاد لا يتبعض ولا تصح له رتبة حتى يحصل جميع العلوم المشترطة في الاجتهاد على الكمال. وإن أراد من لم يحصل رتبة الاجتهاد ممن يطلق عليه اسم الفقيه بضرب من التوسع أو المجاز فلا اعتبار بهم».

قلت: المقصود من هذه الإطالة: أنه إذا كان التمييز بين رتب الكبائر ورتب الكفر، وبين رتب الصغائر والكبائر بهذه الدرجة من العسر والصعوبة للاشتراك في النهي والتحريم والمفسدة والجرأة على الله وانتهاك حرمته= علمتَ ما كان الصحابة نتمتّع به من متانة الورع وعمق الفقه في الإحجام عن الإكفار بالتكفير بالذنوب وباعتقاد ما ليس بكفر كفرا ينافي الإسلام.

المسألة السادسة: الحكم بالإسلام لمن أظهر الإسلام حتى يُعلم الناقض من أصول الإسلام؛ لأن الأصل في البشرية الإسلام حتى يثبت الكفر، وهو أصل بعيد نلجأ إليه عند عدم دليل الإسلام المستقلّ أو التبعي؛ ولأن النطق بالشهادة والالتزام بأحكامها ظاهر معتبر في الدنيا، بل الاعتماد على هذا الظاهر مقطوع في الشرع فمن أنكره فهو كافر؛ فوجب البقاء على ذاك لأصل، والظاهر معاً، حتى يثبت الكفر الناقل بالبينة.

وتبعية الدار كفرا وإسلاما من أضعف الدلائل إجماعا؛ فيقدّم عليها كلّ دليل يبيّن حال الشخص في نفسه من إظهار إيمان أو كفر، فمن أظهر الكفر في دار الإسلام فهو كافر بالإجماع، ومن أظهر الإسلام في دار الكفر فهو مسلم بالإجماع وإنما ينسحب حكم الدار على مجهول الحال لا معلوم الإسلام أو الكفر؛ ومن خالف في هذه الأصول بعد قيام الحجّة عليه فهو كافر عندنا ولا كرامة.

وجملة القول: إثبات الإسلام لمن أظهره مع انتفاء النقيض معلوم من الدين ضرورة، ومن لم يحكم بإسلامه وهو لا يعلم به كفرًا في خصوص نفسه فهو كافر.

المسألة السابعة: أجمعت الأمّة على الحكم بالإسلام للناطق بالشهادتين (لا إله إلا محمد رسول الله) مع الجهل بالكفر السابق.
واختلفوا في الحكم بالإسلام للناطق بالشهادتين مع العلم بالكفر السابق، ومن خلط المختلف فيه بالمجمع عليه فمن جهله بالدين أتي، وعلى نفسها تجني براقش.

عمدة الباب: اجتماع الإيمان بالكفر مستحيل عقلا ونقلا، والحاكم بالإسلام للمشرك جاهل بحقيقة الإسلام، والجاهل بالشيء عادم له، ودليل الجهل: الجمع بين النقيضين في محلّ، فصار من مذهبه: أن الكفر والشرك لا يؤثّران في الإسلام لا نقضا ولا نقصا.

وأما المكفّر لغيره بذنب ظنّه كفرا فلا يلزمه الجمع بين النقيضين في محلّ ولا رفعهما عنه لا تصوّرا ولا تطبيقا.

غاية ما في الأمر: أنه غلا في نواقص الإيمان فاعتبرها نواقض، والتفريق بين المقامين دقيق المأخذ، خفيّ الملحظ، يعتمد الرواية والنقل لا الرويّة والعقل فصار من مذهب الصحابة فيه ما سبق.

والله الموفق للصواب والهادي إلى سواء السبيل وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وآله أجمعين.
 
Top