ابو داؤد
رکن
- شمولیت
- اپریل 27، 2020
- پیغامات
- 575
- ری ایکشن اسکور
- 184
- پوائنٹ
- 77
وقفات حول أثر إبن عباس لشيخ العلامة الأصولي حسان حسين آدم الصومالي حفظه الله ورعاه
بسم الله الرحمن الرحيم
قال شيخنا أبي سلمان الصومالي حفظه الله ورعاه.
تغريدات في أثر ابن عباس في قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} وقوله: (كفر دون كفر).
ينحصر الكلام في وجوه أربعة:
١-النظر في ثبوته
٢-النظر في تأويله
٣-النظر في معارضه
٤-القول بالموجب.
إن شاء الله تعالى.
الوجه الأول: في ثبوت أثر ابن عباس (كفر دون كفر)، أقول: روي الأثر من طرق: الطريق الأولى: سفيان الثوري عن معمر بن راشد عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون﴾. قال: هي به كفر، وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله.
إسناد ظاهر الصحة لكنه معلول المتن بالإدراج في آخره كما بيّنت.
الطريق الثانية: قال عبد الرزاق: اخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن قوله ﴿فأولئك هم الكافرون﴾ قال: هي به كفر. قال ابن طاوس: وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله.
بينت هذه الرواية الصحيحة أن قوله:(وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله) مدرج من قول ابن طاوس لا من كلام ابن عباس.
قال الذهبي في الموقظة: «المدرج هو ألفاظ تقع من بعض الرواة متصلة بالمتن لا يبين للسامع إلا أنها من صلب الحديث ويدل دليل على أنها من لفظ الراوي ، يأتي الحديث من بعض الطرق بعبارة تفصل هذا من هذا»
قاعدة الإدراج واضحة في الأثر؛ لأن طريق سفيان عن معمر توهم أن الكلام كله لابن عباس لكن رواية عبد الرزاق عن معمر فصّلت كلام ابن عباس من كلام ابن طاوس: (قال ابن طاوس: وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله)!
وعبد الرزاق أثبت الناس في معمر عند الاختلاف عند أهل الحديث.
سلف في إيضاح (2) أن عبد الرزاق من أثبت الناس في معمر عند الاختلاف كما قال أحمد بن حنبل: «إذا اختلف أصحاب معمر فالحديث لعبد الرزاق»، ويعقوب بن شيبة: «عبد الرزاق متثبت في معمر جيّد الإتقان». انظر: شرح العلل لابن رجب (2/ 516).
الطريق الثالثة: محمد بن يحيى عن عبد الرزاق عن سفيان (الثوري) عن رجل عن طاوس عن ابن عباس قال: «كفر لا ينقل عن الملة» في قوله:﴿فأولئك هم الكافرون﴾ قال : كفر لا ينقل عن الملة.
أثر ضعيف وفيه علل ثلاث:
الأولى: إبهام الرجل شيخ الثوري.
الثانية: الاختلاف في وصله بابن عباس وطاوس وابن طاوس.
الثالثة: هذه العبارة أشبه بكلام العلماء لا بكلام الصحابة.
ولهذا ورد الأثر من طريق أخرى بيّنت الخطأ فقد جاء في تفسير عبد الرزاق عن الثوري عن رجل عن ابن طاوس قال: «كفر لا ينقل عن الملة».
فجعله من كلام ابن طاوس.
وأخرجه الطبري من الحسن بن يحي عن عبد الرزاق عن الثوري عن رجل عن طاوس قال: "كفر لا ينقل عن الملة".
فجعله من كلام طاوس لا من كلام ابن عباس.
الاختلاف قد يكون من عبد الرزاق أو ممن أخذ عنه.
وعلي أي فالإسناد ضعيف للعلة السابقة.
والظاهر في الترجيح: أنه من كلام طاوس لا من كلام ابن عباس لأن هذا الكلام ثابت عن طاوس: «﴿فأولئك هم الكافرون﴾ قال: «ليس بكفرٍ ينقل عن الملة».
رواه ابن جرير في التفسير والمروزي في الصلاة عن وكيع عن الثوري عن سعيد المكي عن طاوس.
تنيبه: لا يمكن الاستشهاد بهذه الطريق حتى يتضح الاختلاف ممن؟ وما الراجح في الاختلاف مع الدليل.
الطريق الرابعة: سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس قال ابن عباس: «إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة، ﴿فأولئك هم الكافرون﴾، كفر دون كفر».
أخرجه سعيد بن منصور (749) وأحمد في الإيمان (الخلال:1402)، ومن طريقه ابن بطة (1010)، والمروزي (568)، وابن أبي حاتم (112) والحاكم (2/ 314) وعنه البيهقي (15952) من طرق عن ابن عيينة.
أثر منكر، ملفق؛ لوجوه:
الأول: تفرد ابن حجير، لم أجد متابعا مع شهادة ابن عينية على روايته عنه: «لم نأخذ منه إلا ما لا نجد عند غيره». هذه قاعدة في أن كل ما روى ابن عينية عن ابن حجير فهو مما انفرد به كهذا الأثر وإلا لأخذه من غيره.
الثاني: ضعف ابن حجير عند النقاد قال علي ابن المديني: «قرأت على يحي بن سعيد: ثنا بن جريج عن هشام بن حجير حديثا، قال يحيى بن سعيد: خليق أن أدعه. قلت: أضرب على حديثه؟ قال: نعم»، وقال عمرو بن علي:
«سمعت يحيى سئل عن حديث هشام بن حجير فأبى أن يحدث به ولم يرضه» وقال عبد الله بن أحمد: «سألت يحيى عن هشام بن حجير فضعفه جداً» وقال: «سمعت أبي يقول: هشام بن حجير ضعيف الحديث» وقال أبو حاتم الرازي: «يكتب حديثه» وذكره العقيلي في الضعفاء.
هذا تضعيف النقادلابن حجير في حفظه وضبطه.
أما توثيق ابن سعد وابن حبان وابن شاهين والعجلي له؛ فالظاهر أنه خاص في العدالة والديانة مع تساهلهم المعروف في التوثيق عند طلبة الحديث فكيف إذا خالفوا كبار النقاد؛ ولهذا قارب ابن حجر لما قال: «صدوق له أوهام» لم يجعله في مرتبة من يقبل حديثه إذا انفرد.
على أي حال: فالرجل ضعفه أحمد بن حنبل وقال ضعيف الحديث، ويحي بن معين، وتركه يحي بن سعيد، وضرب علي بن المديني على حديثه، وذكر تلميذه الإمام ابن عينية أنه لا يروي عنه إلا ما لم يجد عند غيره.
أما رواية الشيخين عنه فلا متعلق بها لأن حديثه عندهما جاء مقرونا وفي المتابعات، وإن جاء في الأصول فهو على طريقة الانتقاء من حديث الضعيف المعروقة عند الشيخين ونقاد الحديث.
الوجه الثالث: أنه أثر ملفق لأن قوله: «ليس كفرا ينقل عن الملة» من كلام طاوس كما مرّ أو من كلام سفيان كما في رواية أحمد: «قال سفيان: أي ليس كفرا ينقل عن الملة» وقوله: «كفر دون كفر» من كلام عطاء بن رباح قد جمع الثوري الرواية عن طاوس «كفر لا ينقل عن الملة» وعن عطاء «كفر دون كفر»
انظر: تفسير الثوري (242) والطبري (8/ 466).
وأظنّ المبهم هشام بن حجير المكي.
لما ضاق المخرج على جهمية عصرنا في الأثر
حاولوا إيجاد الشواهد فذكروا الطريق الثانية والثالثة التي سبق بيان نكارتهما، والخطأ دائما خطأ، والمنكر منكر فلا يفرح به.
الطريق الخامسة: عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: ﴿...فأولئك هم الكافرون﴾ قال: «من جحد الحكم بما أنزل الله فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق. يقول: من جحد من حدود الله شيئا فقد كفر».
أخرجه ابن جرير (12063) وابن أبي حاتم (6426).إسناده ضعيف جدا، ودلالته غير ظاهرة، أما ضعف إسناده الشديد فمن وجوه:
الأول: أن عبد الله بن صالح المصري ضعيف والكلام فيه قد كثر فمن النقاد من جعله كذابا ومنهم من ضعفه ومنهم من حسن حديثه، والجمهور على تضعيفه، وأجمع الأقوال قول الحافظ ابن حجر: «صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه فيه غفلة».
الثاني: أن فيه أيضا علي بن أبي طلحة وهو ضعيف الحديث على الراجح من أقوال النقاد.
الثالث: أن أهل الحديث اتفقوا على أن روايته عن ابن عباس منقطعة لم يسمع منه حرفا لا تفسيرا ولا غيره.
فهذه الرواية شديدة الضعف فلا يستشهد بها.
أما عدم ظهور الدلالة؛ فقد قال شيخ الإسلام: «والمنقول عن السلف والعلماء يحتاج إلى معرفة بثبوت لفظه، ومعرفة دلالته، كما يحتاج إلى ذلك المنقول عن الله ورسوله» ؛ وعليه فلا متعلق بالأثر حتى يبيّن المخالف مفهوم الجحد بما أنزل الله عند ابن عباس فقد يكون الحكم بغير ما أنزل الله ويحتمل غيره.
وأيضا: قوله:«ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق» ظاهر في التفريق بين ترك الحكم بما أنزل الله وبين الترك مع الحكم بغيره.
وليبيّن أيضا المراد من قوله: «من جحد من حدود الله شيئا فقد كفر» مفهوم الجحد والحدود هنا؟
تقرر بالدراسة الموجزة للطرق الخمس أنه لا يصح عن ابن عباس في تفسير الآية إلا حديث معمر عن ابن طاوس عن أبيه: سئل ابن عباس عن قوله: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾ قال: (هي به كفر)، ونحوه من الألفاظ مثل «هي كفره».
أما بقية الألفاظ التي تُنسب إليه فلا يصح منها شيء لأنها إما مدرجة من كلام ابن طاوس..أو من أغلاط ابن حجير.
وقد شهد عليه سفيان ابن عينية باضطراب الكتاب ولم يرو عنه ما وجد عند غيره!
شبهة: لماذا لم يضعّفه المتقدمون من علماء السنة ولم يبيّنوا نكارته؟ الجواب سيأتي مفصلا أن شاء الله
لماذا لم يضعّف الأثر المتقدمون ولم يبينوا نكارته
من وجوه:
الأول: المنقول عن السلف يحتاج إلى معرفة ثبوته ومعرفة دلالته كالمنقول عن رسول الله وقد سلف أنه غير ثابت بل منكر لتفرد هشام وهو ضعيف ومخالفته للأوثق منه.من وجوه:
وإن ثبت تقديرا فيُحتاج إلى معرفة دلالته ومرّ أنه محتمل الدلالة الوجه الثالث: لا يلزم من رواية الأثر وعدم الكلام عليه ثبوته وقبول العلماء له لأمرين: الأول: هناك قاعدة مهمة: أن من أسند لك الحديث فقد أحالك أو من أسند فقد برئت ذمته.
والمراد: أن من روى الحديث بسنده فقد أحالك على النظر في إسناده والحكم عليه فيبرأ هو من عهدته؛ ولهذا ترى أهل الرواية يروون في كتبهم المسندة الأحاديثَ الضعيفة بل الموضوعة التفاتا إلى هذه القاعدة.
نص على القاعدة ابن عبد البر في التمهيد (1/3) والحافظ في اللسان (4/ 125) قال: «أكثر المحدثين في الأعصار الماضية من سنة مائتين وهلم جرا إذا ساقوا الحديث بإسناده اعتقدوا انهم برئوا من عهدته».
ألا ترى مسند الإمام أحمد فيه أحاديث كثيرة، بعضها في الأحكام، وسكت عليها مع أنه صرّح في مواضع أخرى من كتب العلل ومعرفة الرجال بضعفها ونكارتها؟
وعلى القاعدة: أهل الرواية من السلف قد أحالوا بذكر أسانيد الأثر على النظر في إسناده فنظرنا فوجدنا ابن حجير ضعيف الحديث عند النقاد، متفرداً بقوله عن طاوس عن ابن عباس: «كفر دون كفر» مخالفا لمن هو أوثق منه، وهو عبد الله ابن طاوس الذي روى عن أبيه عن ابن عباس: «هي كفر» «هي به كفر» «هي كفره»؛ فلزم القول بأنه أثر ضعيف منكر، فكان ماذا؟
الأمر الثاني: على فرض أن علماء السلف قبلوا الأثر ولم يضعفوه، فالبحث على حاله ولا متعلق لك في صنيعهم لأنه يقال لك: على أيّ معنى وتصوّر قبلوا الأثر؟
هل قبلوه على تصوّرك المعوجّ المصادم لقواطع القرآن الخارق للإجماع، أو قبلوه على مفهوم آخر يتناسق مع الأدلة القواطع؟
الوجه الثالث: من منهج أهل الحديث التساهل في أخذ التفسير عن الضعفاء، كذلك التساهل في الأحاديث المرفوعة في بعض الأبواب مع ما ورد من الوعيد الشديد في الرواية عن رسول الله عليه السلام، فما ظنك فيما يُروى عن السلف؟ وما ظنك في الآثار الموقوفة؟
لا ريب: أن الأمر في الآثار أوسع وأظهر.
قال يحيى بن سعيد القطان: «تساهلوا في التفسير عن قومٍ لا يوثّقونهم في الحديث، ثم ذكر ليث بن أبي سليم وجويبر بن سعيد، والضحاك، ومحمد بن السائب يعني الكلبي، وقال: هؤلاء لا يُحمد حديثهم ويكتب التفسير عنهم».
وقال أحمد بن حنبل: «ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي والملاحم والتفسير»
وقال الخطيب: «وهذا الكلام محمول على وجه، وهو أن المراد به: كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها، ولا موثوق بصحتها؛ لسوء أحوال مصنفيها، وعدم عدالة ناقليها وزيادات القصاص فيها...»
إلى أن قال: «ولا أعلم في التفسير كتابا مصنفا سلم من علة فيه، أو عري من مطعن عليه».
أقول: لا شك أن هذا الأثر لو كان حديثا مرفوعا متعلقا بالتفسير لتساهل أهل الرواية في ذكره في تفسير الآية فما ظنك مع كونه أثراً موقوفا؟ لا جرم، أنه من أخذ التفسير عن الضعفاء كهشام بن حجير المكي ضعيف الحديث مضطرب الكتاب، لم يكن يؤخذ عنه ما وجد عند غيره.
وقال البيهقي في الأحاديث التي اتفق أهل العلم بالحديث على ضعف مخرجها: «هذا النوع على ضربين: (ضرب) رواه من كان معروفا بوضع الحديث والكذب فيه. فهذا الضرب لا يكون مستعملا في شيء من أمور الدين إلا على وجه التليين...
وضرب لا يكون روايه متهما بالوضع، غير أنه عرف بسوء الحفظ وكثرة الغلط، في رواياته، أو يكون مجهولا لم يثبت من عدالته وشرائط قبول خبره ما يوجب القبول.
فهذا الضرب من الأحاديث لا يكون مستعملا في الأحكام، كما لا تكون شهادة من هذه صفته مقبولة عند الحكام. وقد يستعمل في الدعوات والترغيب والترهيب، والتفسير والمغازي فيما لا يتعلق به حكم».
انتهى الكلام في النظر الأول في ثبوت الأثر.
بقي الكلام في تأويله وفي بيان معارضه وفي القول بموجبه.
يسّر الله الأحوال وأصلح الأعمال.