الحمدللہ محدث فورم کو نئےسافٹ ویئر زین فورو 2.1.7 پر کامیابی سے منتقل کر لیا گیا ہے۔ شکایات و مسائل درج کروانے کے لئے یہاں کلک کریں۔
آئیے! مجلس التحقیق الاسلامی کے زیر اہتمام جاری عظیم الشان دعوتی واصلاحی ویب سائٹس کے ساتھ ماہانہ تعاون کریں اور انٹر نیٹ کے میدان میں اسلام کے عالمگیر پیغام کو عام کرنے میں محدث ٹیم کے دست وبازو بنیں
۔تفصیلات جاننے کے لئے یہاں کلک کریں۔
«كَشفُ الأَستار» عن حديث «الخَوارِج كِلَاب النَّار»!
«كَشفُ الأَستار» عن حديث «الخَوارِج كِلَاب النَّار»!
بسم الله الرحمن الرحيم
حديث «الخوارج كلاب النّار» من الأحاديث المشهورة، وهو مشهور بأبي غالبٍ عن أبي أمامة - رضي الله عنه-، وله طرق أخرى سنبينها إن شاء الله.
❐ حديث حَزَوَّر أبي غَالب البصريّ عن أبي أمامة:
رواه عن أبي غالب جمع كبير مطولاً ومختصراً، وسنشير إلى الرواية المطولة والاختلاف في الألفاظ في بعض الروايات.
قال الخليليّ في «الإرشاد في معرفة علماء الحديث» (المنتخب منه) (2/468): "أبو غالب الذي يروي عن أبي امامة حديث الخوارج لا يُعدّ في أهل الشام، إنما كان من أهل العراق وارتحل الى الشام، واسمه حَزوّر، ويقال: عبدالله بن حزور، وروى عن أبي غالب حديث الخوارج أكثر من بضع وسبعين نفراً من أهل الكوفة وأهل البصرة مثل: حماد بن سلمة وحماد بن زيد وابن عيينة وداود بن سليك وهو قديم من أهل الكوفة".
رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (ص155) مختصراً عن حماد بن سلمة.
ورواه الإمام أحمد في «مسنده» (5/256) مختصراً عن وكِيع، عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ.
ورواه الحميدي في «مسنده» (2/404) عن سفيان بن عيينة.
ورواه الترمذي في «جامعه» (5/226) مختصراً من طريق الرَّبِيعِ بنِ صَبِيحٍ وحَمَّاد بن سَلَمَةَ.
ورواه عبدالرزاق في «جامعه» (10/152) عن مَعمر. ورواه أحمد في «مسنده» (5/253) عن عبدالرزاق.
ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (8/266-273) مختصراً ومطولاً من طريق معمر، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، وحسين بن واقدٍ الخراساني، وقَطَن بن عبدالله الحداني، وأبو خلدة خالد بن دينار، وعمر بن أبي خليفة العبدي، وعبدالله بن شَوذَب، ومُبَارَكُ بن فَضَالَةَ العدويّ، وداود بن السُّلَيْكِ، وقطن بن كعب أبو الهيثم القطيعي، وخُلَيْدُ بن دَعْلَجٍ السدوسي، والربيع بن صُبيح، وسلاّم بن مسكين، وأشعث بن عبدالملك الحمراني، وجعفر بن سليمان الضبعي، وحميد بن مهران الخياط البصري، وزكريا بن يحيى صاحب القصب، وسلم بن زرير العطاردي، وعمران بن مسلم المنقري، وقُريش بن حيان العجلي.
كلّهم عن أبي غَالِبٍ قال: «كنت بِدِمَشْقَ زَمَنَ عبد الْمَلِكِ فَأُتِيَ برُؤوسِ الْخَوَارِجِ فَنُصِبَتْ على أَعْوَادٍ، فَجِئْتُ لأَنْظُرَ هل فيها أَحَدٌ أَعْرِفُهُ فإذا أبو أُمَامَةَ عِنْدَهَا فَدَنَوْتُ منه فَنَظَرْتُ إلى الأَعْوَادِ، فقال: كِلابُ النَّارِ - ثَلاثَ مَرَّاتٍ - شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَمَنْ قَتَلُوهُ خَيْرُ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ قَالَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ استبكى، فقلت: يا أَبَا أُمَامَةَ، ما يُبْكِيكَ كَانُوا على دِينِنَا، ثُمَّ ذَكَرْتُ ما هُمْ صَائِرُونَ إليه غَدًا، فقلت له شيئا تَقُولُهُ بِرَأْيِكَ أَمْ شيئا سَمِعْتَهُ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم؟ فقال إني لو لم أَسْمَعْهُ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إِلا مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ أو ثَلاثًا إلى السَّبْعِ ما حدثتكموه، أَمَا تَقْرَأُ هذه الآيَةَ في آلِ عِمْرَانَ {يوم تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} إلى آخِرِ الآيَةِ {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فيها خَالِدُونَ}، ثُمَّ قال: اخْتَلَفَتِ الْيَهُودُ على إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً سَبْعِينَ مِنَ النَّارِ وَوَاحِدَةٌ في الْجَنَّةِ، واختلفت النَّصَارَى على اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً إِحْدَى وَسَبْعُونَ فِرْقَةً في النَّارِ وَوَاحِدَةٌ في الْجَنَّةِ، وَتَخْتَلِفُ هذه الأُمَّةُ على ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ في النَّارِ وَوَاحِدَةٌ في الْجَنَّةِ، فَقُلْنَا انْعَتْهُمْ لنا؟ قال: السَّوَادُ الأَعْظَمُ».
ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/335) من طريق محمد بن سهل، عن عصمة بن المتوكل، عن مبارك بن فضالة، عن أبي غالب.
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن مبارك إلا عصمة بن المتوكل".
ورواه الطبراني أيضاً في «المعجم الأوسط» (9/42) و«المعجم الصغير» (2/240) من طريق العباس بن الفرج الرياشي، عن عبدالملك بن قريب الأصمعي، قال: حدثنا أبي، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، مختصراً.
قال الطبراني: "لم يروه عن قريب أبي الأصمعي إلا ابنه وعمرو بن عاصم".
ورواه في «المعجم الصغير» (1/42) من طريق الوليد بن مسلم، عن خليد بن دعلج، عن أبي غالب، مطولاً.
قال الطبراني: "لم يروه عن خليد بن دعلج إلا الوليد".
ورواه أبو نُعيم في «طبقات المحدثين بأصبهان» (1/348) وفي «تاريخ أصبهان» (1/339) من طريق شَريك، عن داود الحماني، عن أبي غالب الأصبهاني، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قصة الخوارج.
والحديث قال فيه الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ".
وصححه الشيخ الألباني في «صحيح الجامع الصغير» برقم (3347)، و«الروض النضير» برقم (906)، (908)، و«المشكاة» برقم (3554).
❐ بيان حال أبي غَالب:
قلت: هذا الحديث بطوله تفرد به أبو غالب عن أبي أمامة! وهو حديث منكر سنداً ومتناً.
وأبو غالب هذا مشى حاله بعض أهل العلم، وهو ضعيف منكر الحديث.
قال إسحاق بن منصور عن ابن معين قال: "صالح الحديث". وقال إبراهيم بن الجنيد: سألت يحيى بن معين عن اسم أبي غالب صاحب أبي أمامة، فقال: "حزور"، قلت: ثقة؟ قال: "ليس به بأس". فلم يقرّ بأنه ثقة وإنما ليس به بأس = يعني: يكتب حديث للاعتبار وهذا موافق لما نقله إسحاق بن منصور عنه بأنه "صالح الحديث".
وقال أبو داود عن يحيى بن معين قال: "ترك شعبة أبا غالب أنه رآه يحدث في الشمس، وصفه شعبة على أنه تغير عقله".
وقال أبو حاتم الرازي: "ليس بالقوي".
وقال النسائي: "ضعيف".
وقال ابن سعد: "كان ضعيفاً، منكر الحديث".
وقال البرقاني: وسمعته - يعني الدارقطني – يقول: "أبو غالب اسمه حزور بصري، لا يعتبر به". وقلت له مرة أخرى: أبو غالب عن أبي أمامة؟ قال: "بصري اسمه حزور"، قلت: ثقة؟ قال: "نعم".
وقال ابن عدي بعد أن ذكر له بعض المنكرات في ترجمته: "وأبو غالب قد روى عن أبي أمامة حديث الخوارج بطوله، وروى عنه جماعة من الأئمة وغير الأئمة وهو حديث معروف به؛ ولأبي غالب غير ما ذكرت من الحديث ولم أر في أحاديثه حديثاً منكراً جداً، وأرجو أنه لا بأس به".
قلت: يعني أن له أحاديث مناكير لكن ليست منكرة جداً، وقوله أنه لا بأس به تمشية لحاله إذا تُوبع على حديثه.
وقال ابن حبان في الضعفاء: "منكر الحديث على قلته، لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما يوافق الثقات، وهو صاحب حديث الخوارج".
قلت: تصريح ابن عدي وابن حبّان أنه صاحب حديث الخوارج فيه إشارة إلى تضعيف ذلك الحديث مع قول ابن حبان إنه منكر الحديث، فتنبه، لا سيما وصفه بهذا الوصف من خلال ترجمته التي أوردوها في الضعفاء.
وقد يخالف بعضهم بأن وصفه بأنه صاحب حديث الخوارج من باب التعريف به، ولا يلزم أنه ضعيف! قلت: هذا محتمل، لكن قرينة تفرده بالحديث وضعفه وإيراده في الضعفاء يدلّ على تضعيفه بها الوصف. بل أحياناً يصف بعض أهل النقد بعض الرواة بأنه صاحب فلان مع نكارة حديثه، وهذا يدخل في باب التضعيف، والله أعلم.
وقال ابن حبان أيضاً في الضعفاء: "أبو مرزوق عن أبي غالب، روى أحدهما عن الآخر، رويا ما لا يتابعان عليه، لا يجوز الاحتجاج بهما لانفرادهما عن الأثبات بما خالف حديث الثقات".
وقال الذهبي في الكاشف: "صالح الحديث صحح له الترمذي"، وقال في الميزان: "فيه شيء".
وقال ابن حجر في التقريب: "صدوق يُخطئ".
قلت: وكيف نعرف أنه أخطأ، وفي أي الأحاديث أخطأ! وكلّ أحاديثه عن أبي أمامة يتفرد بها! وروى حديثاً عن أنس بن مالك وآخر عن أم الدرداء ولا يصح شيء من ذلك.
ومن أهل العلم من فرّق بين صاحب أبي أمامة وبين الذي يروي عن أنس!
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/455): "نافع أبو غالب الخياط الباهلي، بصري، روى عن أنس، روى عنه همام بن يحيى وعبدالوارث بن سعيد. سمعت أبي يقول ذلك".
قال عبدالرحمن عن أبيه عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: "نافع أبو غالب الباهلي: صالح".
وقال: سألت أبي عن نافع أبي غالب الباهلي، فقال: "شيخ".
وقال ابن حبان في «الثقات» (5/471): "نافع أبو غالب الخياط، يروي عن أنس بن مالك، وقد قيل: إن اسم أبي غالب: رافع، روى عنه البصريون، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد، وليس هو بأبي غالب صاحب أبي أمامة".
ثم قال في «المجروحين» (3/59): "نافع أبو غالب الباهلي: شيخ يروي عن أنس بن مالك، روى عنه عبدالرحمن بن أبي الصهباء، منكر الحديث، يروي عن أنس بن مالك ما لا يتابع عليه على قلة روايته، وهو الذي روى عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يبعث الناس يوم القيامة والسماء تطس عليهم".
وقد سبرت حديث أبي غالب صاحب أبي أمامة كلّه فوجدته ضعيفاً كثير المناكير! وبعضه العهدة فيه عمّن روى عنه من الضعفاء والمجاهيل، وأما من روى عنه من الثقات فالعهدة في ذلك عليه، وتلك الأحادبث التي رواها عن أبي أمامة لا تُعرف عن أبي أمامة إلا من طريقه، وبعضها له طرق مشهورة لكن ليس من حديث أبي أمامة، وبعضها منكر!
وقد ذكر له الطبراني في «المعجم الكبير» (8/266) مجموعة من الأحاديث من رقم (8033) إلى رقم (8104) = (71) حديثاً، (23) منها لحديث الخوارج مطولاً ومختصراً، من رقم (8033) إلى (8056). والبقية بعضها مشهورة من طرق لكن ليست عن أبي أمامة وله في الكتب الأربعة (5) أحاديث كما في «تحفة الأشراف» (4/183) وكلها منكر!
قلت: تفرد به أبو غالب عن أبي أمامة، وقد رواه عنه: عمارة بن زاذان وعبدالعزيز بن صهيب وأبو قبيصة، وقد اضطرب عمارة بن زاذان فيه! والحديث مروي في صحيح مسلم عن عائشة، لكن لا يعرف من حديث أبي أمامة إلا من طريق أبي غالب!
رواه الترمذي من طريق حجاج بن دينار عن أبي غالب، ثم قال: "هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ حَجَّاجِ بنِ دِينَارٍ وَحَجَّاجٌ ثِقَةٌ مُقَارِبُ الحَدِيثِ، وَأَبُو غَالِبٍ اسْمُهُ: حَزَوَّرُ".
وقال الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
قال أحمد بن محمد: سمعت أبا عبدالله وذكر له حديث عن القاسم الشامي عن أبي أمامة: أن الدباغ طهور، فأنكره وحمل على القاسم، وقال: "يروي عنه علي بن يزيد هذا عجائب! وتكلّم فيها، وقال: ما أرى هذا الأثر إلا من قبل القاسم".
وقال ابن حبان: "يروي عن الصحابة المعضلات وكان يزعم أنه لقي أربعين بدرياً".
رواه جَهْوَرُ بنُ سُفْيَانَ أَبُو الْحَارِثِ الجُرْمُوزِيُّ، عن أَبِيه، عن أَبي غَالِبٍ.
وسفيان بن الحارث مجهول! ولا يرفع جهالة حاله ذكر ابن حبان له في الثقات! ولا يروي عنه إلا ابنه.
والحديث لا يعرف عن أبي أمامة إلا بهذا الإسناد. والمشهور ما رواه البخاري وغيره من حديث ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالحِجْرِ قَالَ: «لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ، إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الوَادِيَ».
7- روى عن أَبِي أُمَامَةَ قالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ».
وفي رواية: قال أَبو غَالِبٍ: رَأَيْتُ أَبَا أُمَامَةَ تَوَضَّأَ ثَلاَثًا ثَلاَثًا، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ.
قلت: رواه عن أبي غالب: عُمَر بن سُلَيْمِ البَاهِلِيّ. وأورده البخاري في ترجمته من «التاريخ الكبير» (6/160).
وقال أبو زرعة عنه: "صدوق". وقال أبو حاتم: "شيخ". وقال ابن حجر: "صدوق له أوهام".
أبو العَدَبَّس الأصغر الكوفي تُبَيع بن سليمان تفرد بالرواية عنه أبو العَنْبس. قال الذهبي في «الميزان»: "فيه جهالة". وقال ابن حجر في «التقريب»: "مجهول". وأبو مرزوق ضعيف. قال ابن حبان في «المجروحين»: "لا يجوز الاحتجاج به لانفراده عن الأثبات بما خالف حديث الثقات".
تفرد به أبو غالب عن أبي أمامة! رواه عنه حسين بن واقد.
والحديث مشهور كما في الصحيحين وغيرهما من حديث أَنَس بن مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «البُزَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا».
رواه عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِاللهِ الصفار البصري، عن زَيْد بن الحُبَابِ، حدثنا الحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ.
ورواه ابن أبي شيبة عن زَيْد بن الْحُبَابِ، عَنْ حُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ».
قلت: أحد الإسنادين انقلب على الآخر إما من زيد أو الحسين، والله أعلم!
والحديث مشهور كما في الصحيحين وغيرهما من حديث أَبي طَلْحَةَ الأنصاري، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَلاَ صُورَةُ تَمَاثِيلَ».
قلت: فكأن أحد الإسنادين انقلب عن الآخر، والله أعلم.
28- حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه لقومه.
29- حديث «لَا تُبْكُوا هذَا الصَّبِيَّ» - يَعْنِي حُسَيْنًا.
30- حديث فضل الوضوء.
وهذه الثلاثة الأخيرة منكرة عن أبي أمامة وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله لاحقاً.
فهذه ثلاثون حديثاً منكرة عن أبي أمامة! لم يروها عنه إلا أبو غالب!!! ولا توجد عند أصحاب أبي أمامة المعروفين.
وكثير مما كتبه عنه العلماء في ترجمة أبي غالب مصدره هو نفسه! فهو كان يُخبِر عن نفسه بأن عبدالرحمن بن الحضرمي أعتقه، وكان يقول: "كنت اختلف إلى الشام في تجارتي وعظم ما كنت اختلف من أجل أبي أمامة".
فمن كانت هذه حاله فأنّى نقبل منه ما يقوله عن نفسه!
❐ نكارة المتن وقرائن على صُنع أبي غالب لبعض الأحاديث!
وأما متن القصة فمنكر كذلك! إذ كيف يؤتى بسبعين رأساً من رؤوس الخوارج من خراسان إلى الشام، وكيف حملت؟! ودع عنك تخيلات بعض الناس في حدوث ذلك! ومن ذلك صاحب الخيال الواسع الذي يقول: " فكأن الخوارج لم يكونوا يحاربون جيشاً، وكل رجل محارب يمكنه أن يحمل معه رأسين بدل الرأس الواحدة، وهذه إذا اجتمعت كانت عدداً..."!
وكيف توضع على درج المسجد ولا أحد يُخبّر بهذا إلا أبو غالب! ولا أحد يُنكر وضعها في المسجد لمدة سبعة أيام! وهل يستحق هؤلاء جزّ رؤوسهم؟! وقد قاتل عليّ – رضي الله عنه – الخوارج الأُول ولم يفعل هذا بهم!
وأين الناس من هذه القصة التي لو حدثت لوجدت أهل الشام يعرفونها كابراً عن كابر! وأين تلاميذ أبي أمامة الثقات عن هذه الحادثة وعن الأحاديث التي تفرد بها أبو غالب؟! أمثال: خالد بن مَعدان، ومُحَمّد بن زِيَاد الْأَلْهَانِي، وسُليم بن عامر، والقاسم أبو عبدالرحمن، وشرحبيل بن مسلم، وأبو سلام الأسود، وغيرهم.
وأبو أمامة كان مع عليّ في حربه ضد الخوارج، وقد رآهم وهم قتلى، فلم لم يذكر هذا الحديث عنهم آنذاك! حتى يأتينا أبو غالب وينقله عنه كما في هذه الحادثة!!
وفي القصة أن المهلب بن أبي صفرة (ت 82هـ) أرسل سبعين رأساً، وفي رواية ستة وعشرون رأساً! وفي بعض الروايات: "مسجد دمشق" وفي بعضها: "أو مسجد حمص"، وكان أبو أمامة يسكن حمص.
وجاء في رواية قَطَن بن كَعْبٍ أبي الْهَيْثَمِ عن أبي غَالِبٍ: «جَاءَتْ رُؤوسُ الأَزَارِقَةِ سَبْعِينَ رَأْسًا فَأُقِيمُوا على دَرَجِ دِمَشْقَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فَمَضَتْ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ مِنَ السَّبْعَةِ وكان الْيَوْمُ الرَّابِعُ فَجَاءَ أبو أُمَامَةَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ سَارِيَةٍ وقال كِلابُ النَّارِ ثَلاثًا».
وفي رواية سُليم بن زرير عن أبي غالب: «وقد جِيءَ بِخَمْسِينَ وَمِائَةِ رَأْسٍ مِنْ رُءُوسِ الْأَزَارِقَةِ فَنُصِبَتْ عَلَى دَرَجِ الْمَسْجِدِ..».
وفي رواية حماد بن زيد عن أبي غالب قال: «كنت بالشام فبعث المهلب سبعين رأساً من الخوارج فنصبوا على باب المسجد، وكنت على ظهر بيت لي فمر أبو أمامة يريد المسجد فلما وقف عليهم دمعت عيناه فقال: سبحان الله ما يفعل الشيطان ببني آدم ثلاثاً..».
وفي رواية سلام بن مسكين عن أبي غالب قال: «أتي برؤوس حرورية فنصبت على درج دمشق فنظر إليها أبو أمامة وهي منصوبة، فقال: شر قتلى تحت السماء هؤلاء ثلاثاً، طوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه..».
وفي رواية محمد بن زياد عن أبي غالب: «بينما نحن مع أبي أمامة في مسجد حمص، أو مسجد دمشق وهو يحدثنا، قال: فجاءه جاء فقال: يا أبا أمامة، رءوس حرورية قدم بها الآن، قال: فخرج وخرجنا معه وهي منصوبة على درج المسجد..».
وفي رواية عبدالله بن شوذب عن أبي غالب قال: «خرجت مع أبي أمامة الباهلي إلى مسجد دمشق، فلما كان عند الباب فإذا رؤوس من رؤوس الخوارج فلما نظر إليها بكى فقال: ماذا صنع الشيطان ثلاثاً، كلاب النار ثلاثاً..».
وفي رواية صدقة بن هرمز عن أبي غالب قال: «كان أبو أمامة يسكن حمص وكان لي صديقاً، وكان مسكني دمشق، وكان إذا جاء لحاجة بدأ فصلى في المسجد ركعتين إلى جنبي ثم أخذ بيدي فخرجنا من المسجد فتلقانا ستة وعشرون رأساً من رؤوس الخوارج فيهم رأس عبد رب الصغير ففاضت عبرته، فقال: كلاب النار، كلاب النار..».
وفي رواية قطن أبي الهيثم عن أبي غالب قال: «كنت عند أبي أمامة، فقال له رجل: أرأيت قول الله {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه} من هؤلاء؟ قال: هم الخوارج، ثم قال: عليك بالسواد الأعظم. قلت: قد تعلم ما فيهم؟ فقال: عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم وأطيعوا تهتدوا، ثم قال: إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار، وإن هذه الأمة تزيد عليها فرقة وهي في الجنة، فذلك قول الله {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} تلا إلى قوله {هم فيها خالدون} فقلت: من هم؟ فقال: الخوارج، فقلت: أسمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم».
قلت: فتفسير هذه الآيات على أنهم الخوارج منكر! ولم يأت من أي طريق آخر أنه نزلت آيات في الخوارج!
وقد أورد أهل التفسير هذا في كتبهم:
فروى ابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/594) و (5/1429) عن أبي بدر عبّاد بن الوليد الغبري، عن محمد بن عَبَّادٍ الْهُنَائِيّ، قال: حدثني حميد بن مهران الخياط، قال: سألت أبا غالب عن هذه الآية {فأما الذين في قلوبهم زيغ}، قال: حدثني أبو غالب، عن أبي أمامة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنهم الخوارج».
وروى أحمد في «مسنده» (5/262) عن أبي كامل، قال: حدثنا حماد، عن أبي غالب، قال: سمعت أبا أمامة يُحدِّث عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه} قال: «هم الخوارج» وفي قوله {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} قال: «هم الخوارج».
ثمّ ما به أبو غالب هذا في بعض الأحاديث التي يدّعي أنه سمعها من أبي أمامة يسأله: هل سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وهذا في الرواة نادر ما يحصل من باب عِظم ما سمع الراوي، لكن أن يكون ديدناً عند الراوي فهذا يدلّ على أن هذا من صنعته! ففي حديثنا هذا، قال: قلت يا أبا أمامة من قبل رأيك تقول أم شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «إني لجريء ثلاثاً، بل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مرة ولا مرتين حتى بلغ ستة»، وفي رواية: «لا بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مرة ولا مرتين حتى بلغ سبعاً»!
قلت: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يُعيد كلماته أحياناً ليُحفظ عنه الحديث وخاصة في الأحكام ليتعلم النّاس، وأما أن يعيد مثل هذا الحديث سبع مرات أو عشر، ويسمعه أبو أمامة منه فقط كلّ هذه المرات فهذا ادّعاء بيّن من أبي غالب هذا! وهذه قرينة الصنعة في الحديث.
ومما يُقبل في ذلك ما رواه الإمام مسلم في «صحيحه» (1/569) في قصة إسلام عمرو بن عبسة ورواها عنه أبو أمامة فسأله عن حديثه هذا لما فيه من عِظم الأجر فيه.
قال مسلم: حدثني أَحْمَدُ بن جَعْفَرٍ المَعْقِرِيُّ، قال: حدثنا النَّضْرُ بن مُحَمَّدٍ، قال: حدثنا عِكْرِمَةُ بن عَمَّارٍ، قال: حدثنا شَدَّادُ بن عبداللَّهِ أبو عَمَّارٍ وَيَحْيَى بن أبي كَثِيرٍ، عن أبي أُمَامَةَ - قال عِكْرِمَةُ: وَلَقِيَ شَدَّادٌ أَبَا أُمَامَةَ وَوَاثِلَةَ وَصَحِبَ أَنَسًا إلى الشَّامِ وَأَثْنَى عليه فَضْلًا وَخَيْرًا - عن أبي أُمَامَةَ قال: قال عَمْرُو بن عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ: «كنت وأنا في الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ الناس على ضَلَالَةٍ وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا على شَيْءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا فَقَعَدْتُ على رَاحِلَتِي فَقَدِمْتُ عليه فإذا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَخْفِيًا جُرَءَاءُ عليه قَوْمُهُ فَتَلَطَّفْتُ حتى دَخَلْتُ عليه بِمَكَّةَ، فقلت له: ما أنت؟ قال: أنا نَبِيٌّ، فقلت: وما نَبِيٌّ؟ قال: أَرْسَلَنِي الله، فقلت: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ؟ قال: أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ وَأَنْ يُوَحَّدَ الله لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ، قلت له: فَمَنْ مَعَكَ على هذا؟ قال: حُرٌّ وَعَبْدٌ، قال: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أبو بَكْرٍ وَبِلَالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ، فقلت: إني مُتَّبِعُكَ، قال: إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذلك يَوْمَكَ هذا، ألا تَرَى حَالِي وَحَالَ الناس، وَلَكِنْ ارْجِعْ إلى أَهْلِكَ فإذا سَمِعْتَ بِي قد ظَهَرْتُ فَأْتِنِي. قال: فذَهَبْتُ إلى أَهْلِي وَقَدِمَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَكُنْتُ في أَهْلِي فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الْأَخْبَارَ وَأَسْأَلُ الناس حين قَدِمَ الْمَدِينَةَ حتى قَدِمَ عَلَيَّ نَفَرٌ من أَهْلِ يَثْرِبَ من أَهْلِ الْمَدِينَةَ، فقلت: ما فَعَلَ هذا الرَّجُلُ الذي قَدِمَ الْمَدِينَةَ؟ فَقَالُوا: الناس إليه سِرَاعٌ وقد أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ فلم يَسْتَطِيعُوا ذلك، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عليه، فقلت: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَعْرِفُنِي؟ قال: نعم، أنت الذي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ، قال: فقلت بَلى، فقلت يا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ الله وَأَجْهَلُهُ، أَخْبِرْنِي عن الصَّلَاةِ؟ قال: صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عن الصَّلَاةِ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حتى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حين تَطْلُعُ بين قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لها الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فإن الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حتى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عن الصَّلَاةِ، فإن حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فإذا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ فإن الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حتى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عن الصَّلَاةِ حتى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بين قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لها الْكُفَّارُ، قال: فقلت، يا نَبِيَّ اللَّهِ، فالوُضُوءَ حَدِّثْنِي عنه، قال: ما مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إلا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ، ثُمَّ إذا غَسَلَ وَجْهَهُ كما أَمَرَهُ الله إلا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ من أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مع الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إلى الْمِرْفَقَيْنِ إلا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ من أَنَامِلِهِ مع الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إلا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ من أَطْرَافِ شَعْرِهِ مع الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إلى الْكَعْبَيْنِ إلا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ من أَنَامِلِهِ مع الْمَاءِ، فَإِنْ هو قام فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هو له أَهْلٌ وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إلا انْصَرَفَ من خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يوم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.
فَحَدَّثَ عَمْرُو بن عَبَسَةَ بهذا الحديث أَبَا أُمَامَةَ صَاحِبَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو أُمَامَةَ: يا عَمْرَو بن عَبَسَةَ، انْظُرْ ما تَقُولُ في مَقَامٍ وَاحِدٍ يعطي هذا الرَّجُلُ! فقال عَمْرٌو: يا أَبَا أُمَامَةَ، لقد كَبِرَتْ سِنِّي وَرَقَّ عَظْمِي وَاقْتَرَبَ أَجَلِي وما بِي حَاجَةٌ أَنْ أَكْذِبَ على اللَّهِ ولا على رسول اللَّهِ، لو لم أَسْمَعْهُ من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلا مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا حتى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ ما حَدَّثْتُ بِهِ أَبَدًا وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ من ذلك».
قلت: فأبو أمامة استنكر على عمرو بن عبسة هذا الحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم لما فيه من عِظم الأجر، فأخبره أنه سمعه منه أكثر من سبع مرات، وهذا هو نفس اللفظ الذي أتى به أبو غالب عن أبي أمامة! فكأن أبا غالب كان عنده أحاديث أبي أمامة وفيها هذا فنسبه إليه في بعض أحاديثه!
ومثل هذا الحديث في ثواب الوضوء لا يُستنكر أن يعيده النبيّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه؛ لأن السؤال عن ذلك كان كثيراً ممن كان يأتيه ويدخل في دين الله، وذكر فضل الوضوء والصلاة كان كثيرا منه صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه، وهذا الفضل للوضوء معروف في أحاديث أخرى.
وعليه ينبغي التنبه لمثل هذه الروايات التي يرويها أبو غالب وغيره في سماع بعض الصحابة بعض الأحاديث مرات كثيرة.
وبناء على ذلك نستطيع معرفة علل ما وقع في هذا الباب من أحاديث ونسبتها لأبي أمامة؛ لأن الحديث حديث عمرو بن عبسة، وأبو أمامة إنما يرويه عنه، ومن ذلك:
قلت: أبو فروة الرهاوي ليس بشيء متروك الحديث، وله نسخة عن زيد بن أبي أنيسة ينفرد بها عنه، لا يتابعه عليها أحد! وعامّة حديثه ليس بمحفوظ.
ومنها أيضاً: ما رواه القاسم بن سلام في كتاب «الطهور»، والطبراني في «المعجم الكبير» من طريق زَيْدِ بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ وزائدة بن قُدامة وجعفر بن الحارث، كلهم عن عَاصِم بن بهدلة، عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ, فَوَجَدْتُهُ فِي الْمَسْجِدِ يَتَنَفَّلُ , فَقُلْتُ: يَا أَبَا أُمَامَةَ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْتَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوُضُوءِ، فَقَالَ: نَعَمْ , لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا, مَا بَالَيْتُ أَنْ لَا أُحَدِّثَ بِهِ, قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ كَمَا أُمِرَ, ذَهَبَ الْإِثْمُ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ».
قلت: عاصم بن بهدلة هو عاصم بن أبي النجود القارئ المعروف، وهو ضعيف مضطرب الحديث.
ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (8/124) من طريق أبي نُعَيْمٍ، قال: حدثنا فِطْرُ بن خَلِيفَةَ، عن شِمْرِ بن عَطِيَّةَ، قال: سمعت شَهْرَ بن حَوْشَبٍ يقول: دَخَلْتُ على أبي أمامة في الْمَسْجِدِ فَوَجَدْتُهُ يَنْقَلِي، فقلت: يا أَبَا أُمَامَةَ حَدِّثْنِي عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وَسَلَّمْ، فقال: نعم، أَمَا إني لو لم أَسْمَعْهُ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وَسَلَّمْ إِلا مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ أو ثَلاثَةً أو أَرْبَعًا أو خَمْسًا لم أُحَدِّثْكُمُوهُ، سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وَسَلَّمْ يقول: «إذا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ، ثُمَّ انْطَلَقَ إلى الصَّلاةِ خَرَجَتْ ذُنُوبُهُ من سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ».
فقال أبو ظَبْيَةَ: حدثنا عَمْرُو بن عَبَسَةَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وَسَلَّمْ بِمِثْلِ هذا الحديث، وزاد فيه: «إذا آوَى الرَّجُلُ إلى فِرَاشِهِ طَاهِرًا ثُمَّ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ لم يَسْأَلِ اللَّهَ تَعَالَى من خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ شيئا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ».
ورواه البخاري في «الكنى» (ص47) عن قتيبة، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن شهر بن حوشب قال: دخلت وإذا أبو إمامة في زاوية المسجد فجلست إليه، فجاء شيخ يقال له: أبو ظبية من أفضل رجل إلا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو إمامة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من رجل يحسن الوضوء إلا خرت ذنوبه من سمعه وبصره ويديه ورجليه».
قال أبو ظبية: "وأنا سمعت عمرو بن عبسة مثله".
ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (4/361) من طريق عمرو بن مرة، عن شمر بن عطية، به.
ورواه أيضاً في «المعجم الكبير» (8/123-124) من طريق قَيْس بن الرَّبِيعِ ورَقَبَة بن مَصْقَلَةَ وفِطْر بن خَلِيفَةَ، كلهم عن شِمْرِ بن عَطِيَّةَ عن شَهْرِ بن حَوْشَبٍ عن أبي أُمَامَةَ.
وبيّن النسائي الاختلاف فيه على الأعمش وفطر عن شمر، وكأنه رجّح أنه عن شمر عن شهر عن أبي ظبية عن عمرو بن عبسة.
والحديث تفرد به شمر بن عطية، وهو ثقة، وليس من رجال الصحيحين، فإن كان شمر قد ضبطه فالعهدة فيه على شهر بن حوشب، وهو ضعيف.
وهذا الحديث سمعه أبو أمامة من عمرو بن عبسة، وهو الذي استغرب ذلك لما حدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له أنه سمعه مرات، فكيف جاء في هذا الحديث أن أبا أمامة هو الذي حدّث به وأنه سمعه مرات كثيرة من النبي صلى الله عليه وسلم!!
فكلّ حديث في هذا يُروى عن أبي أمامة فلا يصح؛ لأن أصله عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة.
❐ رواية منكرة لأبي غالب في بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم أبا أمامة لقومه يدعوهم للإسلام!
روى ابن أبي حاتم في «التفسير» عن علي بن الحسن، قال: حدثنا محمد بن عبدالملك بن أبي الشوارب، عن بَشِير بن سُرَيْجٍ، قال: حدثنا أَبُو غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قال: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِي أَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وأعرض عَلَيْهِمْ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ فَأَتَيْتُهُمْ، وَقَدْ سَقَوْا إِبِلَهُمْ وَاحْتَلَبُوهَا وَشَرِبُوا، فَلَمَّا رَأَوْنِي قَالُوا: مَرْحَبًا بِالصُّدَيِّ بنِ عَجْلَانَ، قَالُوا: بَلَغَنَا أَنَّكَ صَبَوْتَ إِلى هذَا الرَّجُلِ، قُلْتُ: «لَا وَلَكِنْ آمَنْتُ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَبَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ أَعْرِضُ عَلَيْكُمِ الْإِسْلَامَ وَشَرَائِعَهُ»، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ فَجَاءُوا بِقَصْعَةِ دَمٍ، فَوَضَعُوهَا وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهَا يَأْكُلُونَهَا، قَالُوا: هَلُمَّ يَا صُدَيُّ، قُلْتُ: وَيْحَكُمْ، إِنَّمَا أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ مَنْ يُحَرِّمُ هَذَا عَلَيْكُمْ بِمَا أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَمَا قَالَ؟ قُلْتُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} إِلى قَوْلِهِ: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ}. فَجَعَلْتُ أَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيَأْبَوْنَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: «وَيْحَكُمِ ائْتُونِي بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، فَإِنِّي شَدِيدُ الْعَطَشِ». قَالَ: وَعَلَيَّ عِمَامَتِي، قَالُوا: لا، وَلَكِنْ نَدَعُكَ تَمُوتُ عَطَشًا، قَالَ: «فَاعْتَمَمْتُ وَضَرَبْتُ رَأْسِي فِي الْعِمَامَةِ، وَنِمْتُ فِي الرَّمْضَاءِ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، فَأَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي بِقَدَحٍ زُجَاجٍ لَمْ يَرَ النَّاسُ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَفِيهِ شَرَابٌ لَمْ يَرَ النَّاسُ أَلَذَّ مِنْهُ، فَأَمْكَنَنِي مِنْهَا فَشَرِبْتُهَا، فَحَيْثُ فَرَغْتُ مِنْ شَرَابِي اسْتَيْقَظْتُ، وَلَا وَاللهِ مَا عَطِشْتُ، وَلَا عَرَفْتُ عَطَشًا بَعْدَ تِيكَ الشَّرْبَةِ». وزاد في رواية: «فسمعتهم يقولون: أتاكم رجل من سراة قومكم فلم تمجعوه بمذقة، فأتوني بمذقة فقلت: لا حاجة فيها، إن الله أطعمني وسقاني، وأريتهم بطني فأسلموا عن آخرهم».
ورواه الطبراني في روى الطبراني في «المعجم الكبير» (8/279) عن زَكَرِيَّا بن يحيى السَّاجِيُّ وَعَبْدُالْعَزِيزِ بن مُحَمَّدِ بن عبداللَّهِ بن عُبَيْدِ بن عَقِيلٍ الْمُقْرِئُ، كلاهما عن محمد بن عبدالمَلِكِ بن أبي الشَّوَارِبِ، به.
ورواه أيضاً عن عبداللَّهِ بن أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ، عن عبداللَّهِ بن سَلَمَةَ بن عَيَّاشٍ الْعَامِرِيُّ، عن صَدَقَةُ بن هُرمُز القَسْمَلِيُّ، عن أبي غَالِبٍ، به.
ورواه الحاكم في «المستدرك» (3/744) عن عَلِيّ بن حَمْشَاذٍ العَدْل، عن عَبْداللَّهِ بن أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، به.
ورواه ابن عساكر في «تاريخه» (24/62) من طريق علي بن الحسن بن واقد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني أبو غالب، فذكره.
قلت: فهؤلاء ثلاثة (بشير بن سُريج - وهو ضعيف-، وصدقة بن هرمز - وهو ضعيف، وحسين بن واقد - وهو ثقة - رووه عن أبي غالب، وقد تفرد بها عن أبي أمامة، ولا يُعرف أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا أمامة إلى باهلة يدعوهم إلى الإسلام إلا في هذه القصة! ولو كانت هذه القصة صحيحة لكانت مما اشتهر وذاع عند أهل التاريخ والمغازي والسير.
وأبو أمامة اتفق أهل الحديث والتاريخ أنه تُوُفي بالشَّامِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ فِي خِلافَةِ عَبْدِالمَلِكِ بنِ مَرْوَانَ سنة ستّ وثمانين (86هـ)، وقال كثير من أهل العلم: "وهُوَ ابنُ إِحْدَى وتسعين سَنَةً".
وهذا يعني أنه ولد قبل الهجرة بخمس سنوات وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستة عشر عاماً، فمتى أرسله إلى قومه يدعوهم كما يقول أبو غالب؟!
وجاء في بعض الروايات أن أبا أمامة شهد مع النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وهو ابن ثلاثين سنة، قاله أحمد بن مُحَمَّد بن عيسى صاحب «تاريخ الحمصيين».
واعتمدوا في ذلك على ما قاله سُليم بن عامر: قلت لأبي أمامة، مثل من أنت يوم حجة الوداع؟ قال: "أنا يومئذ ابن ثلاثين سنة".
قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب»: "وقال عمرو بن علي وخليفة وأبو عبيد وغير واحد: مات سنة (86)، زاد بعضهم: وهو ابن (91) سنة. قلت: لا يستقيم هذا القدر من سنة مع قوله أنه كان يوم حجة الوداع ابن ثلاثين، بل مقتضاه أن يكون جاوز المائة بست سنين أو أكثر. وقال ابن حبان: كان مع علي بصفين، وقال البخاري: قال خالد بن خلي، عن محمد بن حرب، عن حميد بن ربيعة: رأيت أبا إمامة خارجاً من عند الوليد في ولايته. وقال ضمرة: مات عبدالملك سنة (86). قلت: هذا يقوي قول من قال أن أبا إمامة مات سنة (86). وفي الطبراني من طريق راشد بن سعد وغيره عن أبي إمامة ما يدل على أنه شهد أحداً، لكن إسناده ضعيف".
وذكر الإمام البخاري في «التاريخ الأوسط» (ذكر من مات ما بين الثمانين إلى التسعين) قال: حدثني خالد بن خلي قاضي حمص، قال: حدثنا محمد بن حرب قال: حدثني حميد بن ربيعة القرشي، قال: "رأيت المقدام بن معد يكرب الكندي وأبا أمامة صدي بن عجلان خارجين من عند الوليد بن عبدالملك).
قال: حدثني أبو يحيى محمد، قال: حدثنا الهيثم بن خارجة، قال: حدثنا الوليد، عن ابن جابر، قال: حدثني سليم بن عامر، قال: قلت لأبي أمامة، ابن كم كنت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: "كنت ابن ثلاث وثلاثين سنة، رأيتني وحضرت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع، فجعل الرجل يقبل على بصدر راحلته ليزيلني عن السماع من النبي صلى الله عليه وسلم فأضع كفى في صدر راحلته فأدفعها فأزيلها".
قال: حدثني الحسن بن واقع قال: حدثني ضمرة قال: "مات الوليد سنة ست وتسعين".
قال: وقال الزهري: "ولي الوليد عشر سنين".
قال: حدثني عبدالله بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح، عن سليم بن عامر أبي يحيى: سمع أبا أمامة الباهلي: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. قلت لأبي أمامة: مثل من أنت يومئذ؟ قال: "أنا يومئذ ابن ثلاثين سنة أزاحم البعير حتى أزحزحه قدما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قلت: لم يذكر البخاري أي قول لمن قال بأن أبا أمامة توفي سنة (86) وظاهر تصرفه بإيراده ما ذكره أنه يرجّح أنه بقي إلى خلافة الوليد، وكانت خلافته بعد عبدالملك من (86-96هـ)، وفعله هذا لا يخرج عن قول من قال بأنه توفي سنة (86هـ)، والذي يظهر أنه توفي في بداية خلافة الوليد أي بعد أن مات عبدالملك بأشهر، أي في سنة (86هـ) فيكون دخل على الوليد، ثم مات بعدها في السنة التي ولي فيها، أو أن البخاري يرى أنه توفي قبل سنة (90هـ)، والله أعلم.
وقد ذهب أبو الحسن بن سميع أيضاً إلى أنه مات في إمرة الوليد بحمص.
وعلى ما قاله سُليم بن عامر من أن أبا أمامة كان ابن (30) سنة يوم حجة الوداع، فهذا يعني أنه ولد قبل الهجرة بنحو من عشرين سنة، ولم يثبت أنه شهد أحداً، وقيل شهد بيعة الشجرة (سنة 6هـ)، فيحتمل أن إسلامه كان بعد سنة (5هـ)، فيكون عمره نحو من (25) سنة، ومع هذا لم يأتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله إلى قومه يدعوهم كما زعم أبو غالب في قصته.
وقد مر بنا قصة إسلام عمرو بن عبسة التي رواها أبو أمامة عنه، فلم لما حدّث بها أبو أمامة لأصحابه شداد بن عبدالله أبي عمار ويحيى بن أبي كثير عن قصة إسلامه هو!
❐ قصص منكرة أخرى لأبي غالب!
ومن قصصه المخترعة:
- ما رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (8/285) عن عليّ بن سعيد الرازي، عن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة المروزي، عن علي بن الحسين بن واقد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أبو غالب، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه: «لا تبكوا هذا الصبي - يعني حسيناً - قال: وكان يوم أم سلمة فنزل جبريل عليه السلام فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الداخل، وقال لأم سلمة: لا تدعي أحداً يدخل بيتي، فجاء الحسين رضي الله عنه فلما نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في البيت أراد أن يدخل فأخذته أم سلمة فاحتضنته وجعلت تناغيه وتسكنه، فلما اشتد في البكاء خلت عنه، فدخل حتى جلس في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال جبريل صلى الله عليه وسلم: إن أمتك ستقتل ابنك هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يقتلونه وهم مؤمنون بي؟ قال: نعم يقتلونه، فتناول جبريل تربة، فقال: بمكان كذا وكذا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قد احتضن حسينا كاسف البال مهموماً، فظنت أم سلمة أنه غضب من دخول الصبي عليه، فقالت: يا نبي الله جعلت لك الفداء، إنك قلت لنا لا تبكوا هذا الصبي وأمرتني أن لا أدع يدخل عليك فجاء فخليت عنه فلم يرد عليها، فخرج إلى أصحابه وهم جلوس، فقال لهم: إن أمتي يقتلون هذا، وفي القوم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وكانا أجرأ القوم عليه، فقالا: يا نبي الله، يقتلونه وهم مؤمنون؟ قال: نعم، وهذه تربته - وأراهم إياها».
وقع تحريف في المطبوع من معجم الطبراني، ففيه: "إِسْمَاعِيلُ بن إبراهيم بن الْمُغِيرَةِ الْمَرْوَزِيُّ: حدثنا ابن الْحَسَنِ بن شقيق: حدثنا الحُسَيْنُ بن وَاقِدٍ: حدثني أبو غَالِبٍ"! وقد رواه ابن عساكر في «تاريخه» (14/190) من طريق الطبراني كما سقناه آنفاً.
قال ابن عساكر: أنبأنا أبو علي الحداد وجماعة قالوا: أنبأنا أبو بكر بن ريذة: أنبأنا سليمان بن أحمد الطبراني: قال: حدثنا علي بن سعيد الرازي: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة المروزي: حدثنا علي بن الحسين بن واقد: حدثني أبي: حدثنا أبو غالب.
قلت: هذا الحديث كذب!
ومنها: ما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب «حسن الظن» (ص44) وكتاب «المحتضرين» (ص34) عن أبي عمرو محمد بن عبدالعزيز بن أبي رزمة المروزي، قال: أخبرنا علي بن شقيق، قال: أخبرنا الحسين بن واقد، عن أبي غالب، قال: «كنت اختلف إلى الشام في تجارة وعظم ما كنت اختلف من أجل أبي أمامة، فإذا فيها رجل من قيس من خيار الناس فكنت أنزل عليه ومعنا ابن أخ له مخالف يأمره وينهاه ويضربه فلا يطيعه، فمرض الفتى فبعث إلى عمّه فأبى أن يأتيه، فأتيته أنا به حتى أدخلته عليه، فأقبل عليه يشتمه ويقول: أي عدو الله الخبيث ألم تفعل كذا، ألم تفعل كذا! قال: أفرغت أي عم؟ قال: نعم، قال: أرأيت لو أن الله دفعني إلى والدتي ما كانت صانعة بي؟ قال: إذاً والله كانت تدخلك الجنة، قال: فوالله لله أرحم بي من والدتي فقبض الفتى فخرج عليه عبدالملك بن مروان، فدخلت القبر مع عمه فخطّوا له خطاً ولم يلحدوا له، قال: فقلنا باللبن فسويناه، قال: فسقطت منها لبنة فوثب عمه فتأخر، فقلت: ما شأنك؟ قال: مُلىء قبره نوراً وفسح فيه مثل مد البصر».
ومنها: ما رواه ابن عساكر في «تاريخه» (12/372) من طريق جعفر بن سليمان، عن أبي غالب، قال: «خرجت من الشام في ناس فنزلنا منزلاً بحضرة قرية عظيمة خربة فدخلتها انظر فيها، فرأيت بيتاً مسقفاً فيه روزنة في الروزنة سلة، ورأيت جرة فيها ماء، ورأيت اثر وضوء، قلت لنفسي: إن لهذا البيت عامرا، هذا رجل يكون بالنهار في الجبل ويأوي بالليل إلى هذا البيت، فقلت لأصحابي إن لي حاجة أحب أن تبيتوني الليلة في هذا المكان، قالوا: نعم، فتأهبت حتى إذا صليت مع أصحابي المغرب قال: فقمت وجئت حتى دخلت ذلك البيت وجلست في ناحية البيت حتى اختلط الظلام، فإذا أنا بشخص إنسان يجيء من نحو الجبل، فجعل يدنو حتى قام على باب البيت فوضع يديه على عضادتي البيت فحمد الله بمحامد حسنة، ثم سلم فدخل فجلس، ثم تناول السلة فأخذها فوضعها بين يديه ففتحها، وأخرج منها شيئاً فوضع ثم سمى وأكل وجعل يحمد الله ويأكل حتى فرغ، فلما فرغ أعاد السلة مكانها، ثم قام فأذن، ثم أقام، ثم صلى وصليت بصلاته فلما قضى صلاته وضع رأسه فنام غير كثير، ثم قام فخرج يتباعد، ثم رجع فأخذ الجرة فحلها، ثم جاء فأعادها مكانها، ثم توضأ، ثم جاء فقام في المسجد فكبَّر، ثم استعاذ فقرأ وقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء والمائدة قراءة لم أسمع مثلها قط من أحد أحزن ولا يمر بآية فيها ذكر الجنة إلا وقف وسأل الله الجنة، ولا يمر بآية فيها ذكر النار إلا وقف وبكى، وتعوذ بالله من النار، ثم أوتر وأصبح لما أصبح إذ ركع ركعتي الغداة ركعت أنا، ثم أقام وصلى الغداة وصليت بصلاته.
قال أبو غالب: ثم قمت رويداً فخرجت لم يشعر بي، ثم جئت وسلمت فرد عليّ السلام، قال: قلت ادخل؟ قال: ادخل، قال: فدخلت، فقلت له: أجنّي أنت أم إنسي؟ قال: سبحان الله، بل إنسي، قلت: فما أنزلك ههنا؟ قال: ما لك ولذلك؟ قال: كلمته وقبلته فجعل يكتمني آمره، قال: قلت أني بت الليلة معك في بيتك، قال: خنتني، قلت: ما خنتك، قال: قد فعلت، قلت: يرحمك الله إني لم أضع ذلك لبأس، إني أخوك وإني طالب خير وليس عليك من بأس، قال: فسكن، قلت: حدثني ممن أنت؟ قال: أنا من أهل الكوفة، قلت: فمذ كم مكثت هنا؟ قال: من سبع سنين، قلت: فما عيشك؟ قال: الله يرزقني، قلت: على ذاك، ما عيشك؟ قال: لا اشتهي شيئا بالنهار إلا وجدته في سلتي، قلت: والطري - يعني السمك – قال: والطري؟ قلت: كيف تصنع؟ قال: أكون في النهار في الجبل، فإذا كان الليل أويت إلى هذا البيت من السباع، ومن القر، قلت: فرضيت بهذا العيش! قال: فكأنه غضب، وقال: إن كنت لأحسبك أفقه مما أرى، ومن أعطي أفضل مما أعطيت، قد كفاني مؤنتي هذه، ثم أقبل عليّ، فقال: يسرك أن لك بيديك مائة ألف؟ قلت: لا، قال: يسرك أن لك برجليك مائة ألف؟ قال: قلت، لا، قال: يسرك أن لك بعينيك مائة ألف؟ قلت: لا، قال: يسرك أن لك بسمعك مائة ألف، قلت: لا، قال: فمن أعطي أفضل مما أعطيت، قلت: أن مكانك هذا منقطع من الناس أخاف لو مرضت أو مت أن تضيع، وقد مررت بجبل كذا وكذا، فرأيت فيه غاراً وعند الغار عين تجري وهو من القرى قريب نحو من فرسخين، فلو تحولت إليها أحب لك من مكانك هذا، وكنت تجمع مع المسلمين ولو مرضت لم تضع ولو مت لم تضع، قلت له: فإن عندي جبة مدرعة أحب أن تأخذها فتلبسها، قال: ما شئت فجئت بالجبة فدفعتها إليه فأخذها، قال: فتحول إلى المكان الذي نعتها، قال: وكاتبني سبع سنين ثم انقطع كتابه».
قلت: هذه قصة خيالية مكذوبة!
والخلاصة أن أبا غالب هذا مُنكر الحديث! وهو متّهم، وحديثه كذب فلا يُقبل أبداً. وهذا الحديث والقصص التي أوردتها في التدليل على اتهامه كافية في ذلك، فليس بالضروري أن يكون كلّ ما يرويه مخترعاً، بل الأحاديث المنكرة الأخرى التي رواها عن أبي أمامة تؤيد هذا، إذ أن هذه الأحاديث لا تعرف عن أبي أمامة إلا من طريقه ولا يعرفها أصحابه الثقات الذين كانوا يلازمونه حتى يتفرد بها هذا الراوي البصري.
ولعل قائل يقول: ما المانع بأن يتفرد بها وإن كانت القصة رآها كثير من الناس ولم يروها إلا هو، فها هو علقمة بن قاص تفرد عن عمر بحديث إنما الأعمال بالنيات مع أن عمر صرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله على المنبر ولم يروه إلا عمر!
قلت: هذا قياس فاسد من جهتين: الأولى: علقمة ثقة وأبو غالب منكر الحديث! والثانية: حديث الخوارج مروي من طرق كثيرة صحيحة وليس فيه "الخوارج كلاب النار"، وأما حديث عمر فطريقه صحيح ولا يوجد ما يخالفه، فلو أن أبا غالب ثقة ولم يأت الحديث إلا من طريقه لوجب علينا قبوله مثل حديث علقمة! فكيف وهو ضعيف وفي حديثه نكارة لا توجد في الأحاديث الأخرى الصحيحة المروية عن عليّ الذي قاتلهم، وأبي سعيد الخدري الذي كان مع عليّ في قتالهم، بل وأبو أمامة الذي كان مع من قاتلهم في النهروان.
وأنا سائر على منهج أهل النقد في مظنة الاتهام ولو بحديث واحد أو قصة واحدة، وقد اقتفيت أثرهم في ذلك، فهم قد فعلوا ذلك في الإتيان بإشارات لمن يتهمونه بوضع الحديث، وكونهم لم يتهموا هذا الرجل لا يعني أنه ليس فيه لمن أثبت ذلك ضمن منهجهم.
فهذا شهر بن حوشب لم يُتهم وإن كان شديد الضعف، لكن الجوزجاني الناقد لما نظر في حديثه وقف له على حديثين يرويهما عن صحابي وصحابية وكلا الحديثين يبدأ بقول الصحابي والصحابية: "كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله...".
فقال الجوزجاني: كأنه - أي شهر - كان مغرماً بزمام ناقة رسول الله.
فهذه إشارة اتهام له، وما خرجت عن ذلك لما وجدت ما يشبه ذلك في حديث أبي غالب بقوله في بعض الأحاديث: "فسألته: سمعت هذا من رسول الله.. فقال: إن لم أكن سمعته مرة أو مرتين أو عشرة أو عشرين مرة فلم أسمعه".
فالاتهام قد يقوم على حديث واحد لا على كل الأحاديث، ولهذا أنا أتيت بحديثين وقصتين واضحتين تثبتان هذا على أبي غالب، وكلامي في هذا السياق وهو الاتهام بالوضع... وأما الأحاديث الأخرى التي يرويها عن أبي غالب وهي مروية من طرق أخرى، فنعم بعضها مروي من طرق أخرى صحيحة عن صحابة آخرين، ولكنها لا تعرف عن أبي أمامة إلا من طريق أبي غالب! فكيف ينفرد بها وهو غريب – بصري- عن أصحاب أبي أمامة الشاميين!!! وهذه قرينة أخرى لاتهامه!! وإن أشار العلماء إلى أنه منكر الحديث!
وهناك علاقة بين حكم النقاد على راو بأنه منكر الحديث والاتهام بالكذب، فمن عرف مدلولات ألفاظهم عرف ذلك؛ لأن النكارة إما أنها تأتي من الكذب أو الغفلة وغيرها، فمن عرف بأنه مغفل وشدة ضعفه وتخليطه فهذا لا يتهمه العلماء، وأما من جاء بالمناكير وفيها ما يدل على الوضع فهذا يتهمونه!
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (6/31): سألت أبي عن عبدالجبار بن عمر الأيلي؟ فقال: "ضعيف الحديث، منكر الحديث جداً، ليس محلّه الكذب".
قلت: فنفي الإمام الكذب عنه لأن النكارة مستلزمة للكذب غالباً.
وذكر ابن أبي حاتم (4/185): "سالم بن عبدالله الكلابي. روى عن أبي عبدالله القرشي عَنِ ابنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: «خضاب الصفرة للمؤمن، وخضاب الحمرة للمسلم وخضاب السواد للكافر» وهو حديث منكر شبه الموضوع".
فانظر كيف حكم على أنه شبه موضوع لنكارته.
وقال في موضع آخر (6/21) سمعت أبي يقول: "عبدالواحد بن سليم حدثنا حديثاً منكراً، أحاديثه موضوعة".
قَالَ ابن أبي حاتم: قُلْتُ لأَبِي مَا تَقُولُ أَنْتَ فيه؟ قال: "هو حديث موضوع".
وقال في موضع آخر (2/117) في راوٍ آخر: "وجدت الحديث الذي رواه عن الثوري حديث منكراً دل على أن الرجل غير صدوق".
فهذا فيه اتهام للرجل لأنه روى حديثاً منكراً.
وهناك ألفاظ جمع فيها أبو حاتم بين النكارة والكذب، فنقل ابنه في ترجمة أحد الرواة (2/525) سمعت أبي يقول: "هو منكر الحديث، لا يكتب حديثه، كذاب".
وقال (3/63): "وحنش لقب وهو ضعيف الحديث منكر الحديث". قيل له كان يكذب؟ قال: "أسأل الله السلامة هو ويحيى بن عبيد الله متقاربان". قلت: هو مثل ابن ضميرة؟ قال: "شبيه".
وروى ابن أبي حاتم (6/21) بسنده إلى الإمام أحمد قال: "عبدالواحد بن سليم حدثنا حديثاً منكراً، أحاديثه موضوعة".
وقال ابن أبي حاتم في موضع آخر (6/178): "علي بن الجعد شيخ كتبت عنه بمكة، روى عن عمرو بن دينار عن أنس قالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: إذا دخلت بيتك فسلم، سمعت أبي يقول: هو شيخ مجهول وحديث موضوع، وقال أبو زرعة: وحديثه منكر".
فأبو حاتم حكم عليه بالوضع وأبو زرعة حكم عليه بالنكارة والمؤدى واحد.
وذكر (9/189): "عمرو بن علي. قال: يحيى بن ميمون بن عطاء التمار يكنى بأبي أيوب كتبت عنه وكان كذاباً، حدث عن علي بن زيد بأحاديث موضوعة، روى عن عاصم الأحول أحاديث منكرة".
وقال (9/216): سألت أبى عن يعقوب بن الوليد المديني؟ فقال: "منكر الحديث، ضعيف الحديث، كان يكذب، والحديث الذي رواه موضوع، وهو متروك الحديث".
وقال في راوٍ آخر (9/263): "سألت أبي عنه فقال: ضعيف الحديث كأن حديثه موضوع".
❐ المتابعات لحديث أبي غالب:
❐ حديث سيَّار الشّامي عن أبي أمامة:
روى الإمام أحمد في «مسنده» (5/250) قال: حدثنا أبو سَعِيدٍ مولى بني هاشم، قال: حدثنا عبداللَّهِ بن بُجير البصريّ، قال: حدثنا سَيَّارٌ، قال: «جِيءَ برؤوس من قِبَلِ الْعِرَاقِ فَنُصِبَتْ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، وَجَاءَ أبو أُمَامَةَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فقال: شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ ثَلاَثاً، وخَيْرُ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ من قَتَلُوهُ، وقال: كِلاَبِ النَّارِ ثَلاَثاً، ثُمَّ إنه بَكَى، ثُمَّ أنصرف عَنْهُمْ، فقال له قَائِلٌ: يا أَبَا أُمَامَةَ، أَرَأَيْتَ هذا الحديث حَيْثُ قُلْتَ: كِلاَبُ النَّارِ، شيء سَمِعْتَهُ من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أو شيء تَقُولُهُ بِرَأْيِكَ؟ قال: سُبْحَانَ اللَّهِ إني إِذاً لجريء، لو سَمِعْتُهُ من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ حتى ذَكَرَ سَبْعاً لخِلْتُ أن لا أَذْكُرَهُ، فقال الرَّجُلُ: لأي شيء بَكَيْتَ؟ قال: رَحْمَةً لهم أو من رَحْمَتِهِمْ».
قلت: تفرد به عبدالله بن بُجير عن سيّار. وسَيَّار هو الشّامي مَوْلًى لآلِ مُعَاوِيَة – مولى خالد بن يزيد بن معاوية، ولا يُعرف أنه سمع من أبي أمامة، ونقل الترمذي عن البخاري أنه قال: أدرك أبا أمامة، والبخاري لا بدّ عنده من السماع ولا يكتفي بالإدراك، فلا يُعرف أنه سمع من أبي أمامة، وهو ليس بالمشهور، روى عنه سليمان التيمي وابن بجير فقط، وحديثه قليل جداً وجدت له ثلاثة فقط، هذا، وآخر يرويه عن أبي أُمَامَةَ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال: (يَخْرُجُ من هذه الأُمَّةِ قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ الْبَقَرِ يَغْدُونَ في سَخَطِ اللَّهِ وَيَرُوحُونَ في غَضَبِهِ)، وهذا يُشبه حديث أبي غالب فإنه رواه أيضاً عن أبي أمامة. وله حديث ثالث يرويه سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عن سَيَّارٍ عن أبي أُمَامَةَ قال: قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عز وجل فَضَّلَنِي على الأَنْبِيَاءِ أو قال أُمَّتِي على الأُمَمِ بِأَرْبَعٍ أَرْسَلَنِي إلى الناس كَافَّةً وَجَعَلَ الأَرْضَ كُلَّهَا لي وَلأُمَّتِي طَهُورًا وَمَسْجِدًا فَأَيْنَمَا أَدْرَكَ رَجُلٌ من أُمَّتِي الصَّلاةَ فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وَعِنْدَهُ طَهُورُهُ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَأُحِلَّ لِيَ الْغَنَائِمُ).
وهذا لا يُعرف عن أبي أمامة إلا عنه!
والذي يظهر أنه أخذ الحديث من أبي غالب وكان عنده في البصرة، وإلا فلا نعلم أنه سمع من أبي أمامة، فكيف نقوّي حديث من هو منكر الحديث (أبو غالب) بحديث مجهول الحال (سيّار)!
فالحديث ضعيف لجهالة حال سيّار وعدم معرفة سماعه من أبي أمامة.
قلت: هذا حديث معلول! وهذا الإسناد يروي به عكرمة بن عمّار أحاديث، لكن هذا المتن لا يُعرف إلا من حديث أبي غالب عن أبي أمامة، ولا يُعرف من حديث شدّاد عن أبي أمامة، ومع أن الحاكم قد وضع يده على علّة الحديث إلا أنه تساهل – كما هي عادته في كتابه- فصححه لصحة الإسناد! ودعم ذلك بأن مسلماً أخرج بهذا الإسناد حديثاً في صحيحه!
لكن ليس كل حديث بإسناد ما يُعد صحيحاً دائما، فربّ علة خفية طرأت على هذا الإسناد كما هو الحال في حديثنا، فإنه قد دخل لعكرمة حديث في حديث! ودليل ذلك ما عنده من أوهام وأغلاط وكلام أهل العلم فيه، وكذلك أن هذا المتن معروف بأبي غالب.
وعكرمة وثّقه بعض العلماء كابن معين وأبو داود والعجلي والدارقطني.
وضعّف بعضهم حديثه عن يحيى بن أبي كثير لاضطرابه في حديثه وروى عنه مناكير! قال ذلك أحمد وابن المديني والبخاري وأبو داود.
ومنهم من ضعّفه أو مشّى حاله وأشار إلى أوهامه.
قال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أحمد يضعف رواية أيوب بن عتبة وعكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير.
وقال أبو حاتم: "كان صدوقا، وربما وهم في حديثه، وربما دلس، وفي حديثه عن يحيى بن أبي كثير بعض الأغاليط".
وقال صالح بن محمد الأسدي المعروف بجزرة: "كان يتفرد بأحاديث طوال ولم يشركه فيها أحد. وقدم البصرة فاجتمع إليه الناس فقال: ألا أراني فقيها وأنا لا أشعر".
وقال صالح بن محمد أيضاً إن عكرمة بن عمار صدوق إلا أن في حديثه شيئاً، روى عنه الناس.
وقال ابن خراش: "كان صدوقا وفي حديثه نكرة".
وقد تجنّب البخاري حديثه، وأكثر مسلم الاستشهاد به، واستنكر بعض أهل العلم على مسلم تخريج بعض أحاديثه!
قال الذهبي في «الميزان» في نهاية ترجمة عكرمة بن عمّار: "وفي صحيح مسلم قد ساق له أصلاً منكراً عن سماك الحنفي عن ابن عباس في الثلاثة التي طلبها أبو سفيان، وثلاثة أحاديث أخر بالإسناد".
قلت: الخلاصة في أمره أنه صدوق له أوهام وأغلاط. وهذا الحديث قد تفرد به وهو معروف بأبي غالب، فالظاهر أنه وهم في إسناده فأدخله في إسناد آخر.
والخلاصة أن حديث سيّار الشامي عن أبي أمامة، وحديث عكرمة بن عمار عن شدّاد عن أبي أمامة، يرجعان إلى حديث أبي غالب عن أبي أمامة؛ لأن هذا الحديث لا يُعرف إلا به، وأبو غالب بصري، وكذلك سيّار وعكرمة أصلهما من البصرة، والحديث مشهور عند أهل البصرة عن أبي غالب، فالحديث خرج منه ولم يتابعه عليه أحد، وكلّ الطرق ترجع إليه.
❐ حديث شهر بن حوشب عن أبي أمامة:
رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (8/121) قال: حدثنا أَحْمَدُ بن إبراهيم بن عَنْبَرٍ الْبَصْرِيُّ ومُحَمَّدُ بن الرَّبِيعِ بن شَاهِينَ، قَالا: حدثنا أبو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، قال: حدثنا أبو عَزَّةَ الدَّبَّاغُ، قال: حدثني شَهْرُ بن حَوْشَبٍ، قال: «كنت بِدِمَشْقَ فجاؤوا برؤوس فوَضَعُوهَا على دَرَجِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فَرَأَيْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَبْكِي، فقلت له: ما يُبْكِيكَ يا أَبَا أُمَامَةَ، قال: إني سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وَسَلَّمْ يقول: إنه سَيَكُونُ في أُمَّتِي أُنَاسٌ يقرأون الْقُرْآنَ لا يَتَجَاوَزُ تَرَاقِيَهُمْ يَنْتَثِرُونَهُ كما يَنْتَثِرُ الدَّقَلُ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لا يَعُودُونَ فيه حتى يَعُودَ السَّهْمُ على فَوْقِهِ، شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ السَّمَاءِ طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ».
قلت: تفرد به أبو عزة الدباغ وهو الحكم بن طهمان، وثقه أبو زرعة، وقال ابن معين: "صالح"، وقال أبو حاتم: "ثقة، لا بأس به، صالح الحديث".
قلت: صالح، أي يُكتب حديثه للاعتبار، فإذا تُوبع على حديث قُبِل وإلا لا يقبل تفرده. وقول أبي حاتم: "ثقة" أي في دينه؛ لأنه أتبعه بقوله: "صالح الحديث" أي يُعتبر به.
وقد ضعفه ابن حبان في ذيله على الضعفاء، ونقل أن ابن معين ضعفه، وكان ذكره في الثقات! وهذا كثير عند ابن حبان يورد بعض الرواة في الثقات ثم يوردهم في الضعفاء، وتعليل ذلك أنه تبيّن له أنه ضعيف فأورده في الضعفاء بعد أن كان ذكره في الثقات بناء على أنه مستور الحال.
قلت: لم يُخرّج له أصحاب الكتب الستة، ويُكتب حديثه للاعتبار، وهذا مما تفرد به عن شهر بن حوشب، فلا يُقبل منه.
وأبو عزة الدباغ بصري، والحديث لا يعرف عن شهر إلا من طريقه، فيُحتمل أنه أخذه من بعضهم من البصرة لأن الحديث يعرف بأبي غالب البصري، فيرجع الحديث لأبي غالب!
وما جاء في الإسناد من تصريح بسماعه من شهر فلا يعدّ دليلاً على صحته، فكم من حديث يذكر السماع فيه ولا يصح، وهذا باب واسع في العلل يسمى: "السماع الذي لا يصح".
ومما يُستنكر في هذه الرواية أن شهراً هو الذي سأل أبا أمامة عن بكائه! وفي حديث أبي غالب أنه هو الذي سأل!! فمن الذي سأل؟ شهر أم أبو غالب؟ أم الاثنان معاً؟!! ولأن الحديث حديث أبي غالب فهذا يدلّ على أن شهراً لا علاقة له بالحديث، والله أعلم.
❐ حديث تميم بن مرداس الغنوي عن أبي أمامة:
رواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (11/91) من طريق الوليد بن مسلم، قال: أخبرني من سَمِع شيخاً من أهل حمص يُقال له: تميم بن مرداس مولى أنيس بن أبي مرثد الغنوي، قال: «جيء برؤوس ناس من الحرورية فنصبت على باب حمص أو دمشق - الذي يحدثني يشك – قال: فرآها أبو أمامة فبكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: رحمة لهؤلاء الأشقياء، ثم قال: شر قتلى تحت ظل السماء كلاب النار لهم مخبثة من أصابها أضلوه ومن أخطأها قتلوه، من قتلوه دخل الجنة، ومن قتلهم فاز».
قال تميم بن مرداس: "أنا سمعته من أبي أمامة".
قلت: هذا إسناد فيه جهالة، فشيخ الوليد بن مسلم مجهول، وتميم كذلك مجهول، ولا يُعرف إلا في هذا الحديث، وقد ترجم له ابن عساكر، فقال: "تميم بن مرداس الغنوي مولى أنيس بن أبي مرثد من أهل حمص، قيل: إنه دخل دمشق وحدث عن أبي أمامة الباهلي، روى عنه شيخ للوليد بن مسلم لم يُسمّه"، ثم ساق له هذا الحديث.
❐ حديث صفوان بن سُليم المدني عن أبي أمامة:
رواه الإمام أحمد في «مسنده» (5/269) قال: حدثنا أَنَسُ بن عِيَاضٍ، قال: سمعت صَفْوَانَ بن سُلَيْمٍ يقول: «دخل أبو أُمَامَةَ الْبَاهِلِىُّ دِمَشْقَ فَرَأَى رؤوس حَرُورَاءَ قد نُصِبَتْ، فقال: كِلاَبُ النَّارِ كِلاَبُ النَّارِ ثَلاَثاً، شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ، خَيْرُ قَتْلَى من قَتَلُوا، ثُمَّ بَكَى، فَقَامَ إليه رَجُلٌ، فقال: يا أَبَا أُمَامَةَ، هذا الذي تَقُولُ من رَأْيِكَ أَمْ سَمِعْتَهُ؟ قال: إني إذاً لجريء، كَيْفَ أَقُولُ هذا عن رَأْي! قال: قد سَمِعْتُهُ غير مَرَّةً وَلاَ مَرَّتَيْنِ، قال: فما يُبْكِيكَ؟ قال: أَبْكِي لِخُرُوجِهِمْ مِنَ الإِسْلاَمِ، هَؤُلاَءِ الَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاتَّخَذُوا دِينَهُمْ شِيَعاً».
قلت: هذا منقطع. فصفوان بن سُليم لم يسمع من أبي أمامة الباهلي، بل لم يسمع من أي صحابي، وقيل رأى أبا أمامة سهل بن حنيف وعبدالله بن بُسر. وأنس بن عياض أبو ضمرة الليثي آخر من حدّث عنه، ولا نعرف من حدّثه بهذا الحديث! فالحديث منقطع لا يُحتج به.
فهذه هي المتابعات لحديث أبي غالب عن أبي أمامة، وبمجموعها صحح بعض العلماء المتأخرين والمعاصرين هذا الحديث وحسنه بعضهم ضمن منهجهم في تقوية الحديث بالمتابعات والشواهد!
وهذا المنهج فيه إسراف بذلك! فهم يتوسعون في تقوية الحديث الضعيف بمتابعات وشواهد ضعيفة بل واهية ومنكرة! بخلاف الأئمة المتقدمين الذين كانوا يصححون الحديث بنفسه، ويأتون بالمتابعات والشواهد زيادة على الصحة أو لفوائد أخرى كما هو منهج البخاري ومسلم في صحيحيهما، ولبس هذا محل الكلام عليها.
❐ شاهد لحديث أبي أمامة:
❐ حديث عبدالله بن أبي أوفى:
رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» برقم (822) قال: حدثنا الحَشْرَجُ، قال: حدثنا سَعِيدُ بن جُمْهَانَ، قال: أَتَيْتُ عَبْدَاللَّهِ بن أبي أَوْفَى – صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم- وكان يومئذ مَحْجُوب البَصَرِ، فقلت: أنا سَعِيدُ بن جُمْهَانَ، قال: ما فَعَلَ أبوك؟ قلت: قَتَلَتْهُ الأَزَارِقَةُ، فقال: رحمه الله، ثم قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنهم كِلاَبُ النَّارِ».
ورواه أحمد في «مسنده» (4/382) عن أبي النَّضْرِ هاشم بن القاسم، قال: حدثنا الْحَشْرَجُ بن نباته العبسي كوفي، قال: حدثني سَعِيدُ بن جُمْهَانَ، قال: «أَتَيْتُ عَبْدَاللَّهِ بن أبي أَوْفَى وهو مَحْجُوبُ الْبَصَرِ فَسَلَّمْتُ عليه، قال لي: من أنت؟ فقلت: أنا سَعِيدُ بن جُمْهَانَ، قال: فما فَعَلَ وَالِدُكَ؟ قال: قلت، قَتَلَتْهُ الأَزَارِقَةُ. قال: لَعَنَ الله الأَزَارِقَةُ، لَعَنَ الله الأَزَارِقَةُ، حدثنا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنهم كِلاَبُ النَّارِ، قال: قلت، الازارقة وَحْدَهُمْ أَمِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا؟ قال: بل الْخَوَارِجُ كُلُّهَا. قال: قلت، فإن السُّلْطَانَ يَظْلِمُ الناس وَيَفْعَلُ بِهِمْ، قال: فَتَنَاوَلَ يدي فَغَمَزَهَا بيده غَمْزَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قال: وَيْحَكَ يا ابن جُمْهَانَ، عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الأَعْظَمِ، عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الأَعْظَمِ إن كان السُّلْطَانُ يَسْمَعُ مِنْكَ فَائْتِهِ في بَيْتِهِ فَأَخْبِرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فإن قَبِلَ مِنْكَ وَإِلاَّ فَدَعْهُ فَإِنَّكَ لَسْتَ بِأَعْلَمَ منه».
ورواه الحاكم في «المستدرك» (3/660) من طريق عبدان، قال: أنبأنا عبدالله بن المبارك، قال: أنبأنا حشرج بن نباتة، قال: أنبأنا سعيد بن جمهان، قال: أتيت عبدالله بن أبي أوفى صاحب النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، وهو محجوب البصر، فقال لي: من أنت؟ قلت: أنا سعيد بن جمهان، قال: فما فعل والدك؟ قلت: قتلته الأزارقة، قال: «لعن الله الأزارقة، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كلاب النار».
قلت: قد تقدّم أنه رواه عن حشرج: أبو النضر هاشم بن القاسم، وهو ثقة ثبت، فالعهدة في هذا الحديث على حشرج، وهو مختلف فيه، فقال بعضهم صالح، أو لا بأس به، وقال أبو حاتم: "صالح، يُكتب حديثه ولا يحتج به"، وقال البخاري: "لا يُتابع على حديثه"، وقال النسائي: "ليس بالقوي".
وقال ابن حبان في «المجروحين» (1/273): "حشرج بن نباته يروي سعيد بن جمهان، روى عنه حماد بن سلمة ومروان بن معاوية، كان قليل الحديث، منكر الرواية فيما يرويه، لا يجوز الإحتجاج بخبره إذا انفرد".
قلت: وهذا مما انفرد به حشرج عن ابن جمهان بهذه القصة!
وروى الضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» (13/100) من طريق الطبراني، قال: حدثنا محمد بن علي بن شعيب البغدادي، قال: حدثنا خالد بن خداش، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا سعيد بن جمهان، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلاب النار شر قتلى تحت ظل السماء طوبى لمن قتلوه»، طوبى لأبيك.
قلت: لم يروه عن حماد بن زيد إلا خالد بن خداش البصري! وقد اختلف أهل العلم فيه: فقال يحيى بن معين وأبو حاتم وصالح بن محمد البغدادي: "صدوق"، وقال ابن سعد: "ثقة"، وقال يعقوب بن شيبة: "كان ثقة صدوقاً".
وقال ابن المديني: "ضعيف"، وقال زكريا الساجي: "فيه ضعف".
وقال يحيى بن معين: "قد كتبت عنه، ينفرد عن حماد بن زيد بأحاديث".
وقال أبو داود: روى عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر حديث الغار، ورأيت سليمان بن حرب ينكره عليه.
وقال أبو حاتم الرازي: سألت سليمان بن حرب عنه، فقال: "صدوق لا بأس به كان يختلف معنا إلى حماد بن زيد وأثنى عليه خيراً".
قلت: هو صدوق له مناكير، فما تفرد به لا يُقبل منه، وخاصة فيما ينفرد به عن حماد بن زيد، فمن أين ينفرد عنه بهذه الأحاديث؟!!
وقد أخرج له مسلم في «صحيحه» حديثاً واحداً فقط، قال: حدثنا أبو الْهَيْثَمِ خَالِدُ بن خِدَاشِ بن عَجْلَانَ، قال: حدثنا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عن أَيُّوبَ، عن يحيى بن أبي كَثِيرٍ، عن عبداللَّهِ بن أبي قَتَادَةَ: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ طَلَبَ غَرِيمًا له فَتَوَارَى عنه، ثُمَّ وَجَدَهُ، فقال: إني مُعْسِرٌ، فقال: آللَّهِ، قال: آللَّهِ، قال: فَإِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «من سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ الله من كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عن مُعْسِرٍ أو يَضَعْ عنه».
قال: وحدثنيه أبو الطَّاهِرِ: أخبرنا ابن وَهْبٍ، قال: أخبرني جَرِيرُ بن حَازِمٍ، عن أَيُّوبَ بهذا الإسناد نَحْوَهُ.
قلت: خرّج مسلم هذا الحديث له لأنه رُوي من طريق آخر عن أيوب. والذي أراه أن حديثه الذي ينفرد به عن حماد بن زيد لا يُقبل منه حتى لو كان للحديث طريق آخر، فإن صحت الطريق الأخرى فالعمدة عليها لا على حديثه، وحديثه هنا لا يصلح كشاهد لغيره لأن تفرده عن حماد بن زيد منكر!
وقد روى اللالكائي في «اعتقاد أهل السنة والجماعة» برقم (2313) عن مُحَمَّد بن عَبْدالرَّحْمَنِ بنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أخبرنا عَبْدُاللَّهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِاللَّهِ الْبَغَوِيُّ، قالَ: حدثنا قَطَنُ بنُ نُسَيْرٍ، قالَ: حدثنا عَبْدُالْوَارِثِ، قالَ: حدثنا سَعِيدُ بنُ جُمْهَانَ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُاللَّهِ بنُ أَبِي أَوْفَى: مَا فَعَلَ أَبُوكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: قَتَلَتْهُ الْأَزَارِقَةُ، فَقَالَ: عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ كِلَابُ النَّارِ، ثَلَاثًا، قَالَ: فَقُلْتُ: الْأَزَارِقَةُ خَاصَّةً، أَوِ الْخَوَارِجُ كُلُّهُمْ؟ قَالَ: «الْخَوَارِجُ كُلُّهُمْ كِلَابُ النَّارِ».
قلت: تفرد به عن عبدالوارث: قطن بن نُسير البصري، وهو منكر الحديث، اتهمه ابن عدي بالسرقة، فقال: "يسرق الحديث ويوصله".
وكان أبو حاتم يحمل عليه، وقال الدارقطني: "ليس بذاك".
وقد رُويت هذه القصة عن ابن جهمان بدون ذكر «الخوارج كلاب النار» رواها أحمد في «مسنده» (4/382) عن بَهْز وعَفَّان، قالا: حدثنا حَمَّاد بن سَلَمَة، عن سَعِيد بن جُمْهَانَ، قال: «كنا مع عبداللَّهِ بن أبي أَوْفَى يقاتل الْخَوَارِجَ وقد لَحِقَ غُلاَمٌ لاِبنِ أبي أَوْفَى بِالْخَوَارِجِ فَنَادَيْنَاهُ يا فَيْرُوزُ، هذا ابن أبي أَوْفَى، قال: نِعْمَ الرَّجُلُ لو هاجَرَ، قال: ما يقول عَدُوُّ اللَّهِ! يقول: نِعْمَ الرَّجُلُ لو هاجَرَ! فقال: هِجْرَةٌ بَعْدَ هجرتي مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرَدِّدُهَا ثَلاَثاً، سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «طُوبَى لِمَنْ قَتْلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ» قال عَفَّانُ في حَدِيثِهِ: «وَقَتَلُوهُ ثَلاَثاً».
قلت: حماد بن سلمة أوثق من الحشرج، والطرق الأخرى عن سعيد بن جمهان منكرة لا تصح، وهذه القصة أقرب للصواب عن ابن جهمان، ولا يوجد فيها أن ابن أبي أوفى نعتهم بكلاب النار أو رفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، لكن قوله: «طُوبَى لِمَنْ قَتْلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ» يخالف ما في الصحيحين: «فإذا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فإن في قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يوم الْقِيَامَةِ»، وقد ورد من طرق أخرى لكن أسانيدها ضعيفة.
وسعيد بن جهمان وثقه ابن معين وأبو داود، ومشّاه النسائي، وضعفه أبو حاتم الرازي.
قال أبو حاتم: "يُكتب حديثه ولا يحتج به".
وقال البخاري: "في حديثه عجائب".
وقال الساجي: "لا يُتابع على حديثه".
قلت: هو صدوق له أحاديث يتفرد بها، وفيها مناكير، فلا يُقبل حديثه إذا تفرد به.
فالحديث عن ابن أبي أوفى لا يصح.
والغريب أن سعيد بن جهمان الذي يروي هذا عن الخوارج كان قد مال إليهم وكاد أن يلحق بهم!
فقد روى ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/555) عن يزِيدُ بن هارُونَ، قال: أخبرنا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ، عن سَعِيدِ بن جَهْمَانَ قال: «كانت الْخَوَارِجُ قد دَعَوْنِي حتى كِدْت أَنْ أَدْخُلَ فِيهِمْ، فَرَأَتْ أُخْتَ أبي بِلاَلٍ في الْمَنَامِ كَأَنَّهَا رَأَتْ أَبَا بِلاَلٍ أَهْلَبَ، فَقُلْت: يا أَخِي ما سِنَانُك؟ قال: فقال، يا أُخْتِي سِنَانُك، قال: فقال، جُعِلْنَا بَعْدَكُمْ كِلاَبَ أَهْلِ النَّارِ».
قلت: فلا أستبعد أن لفظ «كلاب أهل النار» في حديث ابن جهمان عن ابن أبي أوفى أصله هذا المنام، والله أعلم. والمنام لا يثبت حكماً.
❐ حديث الأعمش عن عبدالله بن أبي أوفى:
رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/553) قال: حدثنا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عن الأَعْمَشِ، عَنِ ابن أبي أَوْفَى قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الخَوَارِجُ كِلاَبُ النَّارِ».
ورواه ابن ماجه في «سننه» (1/61) عن أبي بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ، به.
ورواه أحمد في «مسنده» (4/355) عن إِسْحَاق بن يُوسُفَ، به.
قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (6/241): "هذا رواه الناس عن إسحاق الأزرق عن الأعمش، وقد طلب الأعمش وكتب العلم بالكوفة قبل موت عبدالله بن أبي أوفى بأعوام وهو معه ببلده، فما أبعد أن يكون سمع منه".
قلت: هذا محتمل، لكن أهل النقد نفوا سماع الأعمش من ابن أبي أوفى، وقد ذكر الترمذي أنه لم يسمع من أحد من الصحابة.
قال الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في الأطراف: 4/182]: "لم يزل شيوخنا رحمهم الله يقولون غريب عن أيوب بن معتمر بن ثابت: حدثنا إسحاق الأزرق، تفرد بهذا عن الأعمش حتى وجدنا أهل خراسان قد رووه عن شيخ يقال له: سعيد بن الصباح عن الثوري عن الأعمش، وحدث به الكديمي عن شيخ له عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش، والله أعلم".
ورواه أبو نُعيم في «حلية الأولياء» (5/56) قال: حدثنا الحسين بن محمد الزبيري، قال: حدثنا أبو تراب أحمد بن حمدون الأعمش ومحمد بن إبراهيم بن مسلم، قالا: حدثنا سفيان الثوري، عن الأعمش، عن ابن أبي أوفى، فذكره.
قلت: فقد توبع إسحاق الأزرق عن الأعمش كما في هذه الروايات، تابعه سفيان الثوري وأبو بكر بن عيّاش.
قال أبو نُعيم الأصبهاني: "يُقال أن هذا الحديث مما خصّ به الأعمش إسحاق الأزرق، ويذكر أنه مما تفرد به إسحاق، ورُوي من حديث الثوري عن الأعمش".
قلت: الطريق التي رُويت عن الثوري غريبة! وقد قال ابن عدي في «الكامل» (6/299): "وليس للأعمش عن ابن أبي أوفى إلا حديث الخوارج، رواه إسحاق الأزرق عن الأعمش".
وعلى فرض ثبوت تلك الرواية عن الثوري عن الأعمش فتبقى المسألة في سماع الأعمش من ابن أبي أوفى، ولم يثبت، وقد نفى ذلك أحمد وغيره. قال أبو حَاتِم: "الأعمش لم يسمع من ابن أبي أوفى".
وقد خالف عبدالله بن نُمير إسحاق الأزرق وغيره في هذا الحديث، فرواه عن الأعمش عن الحسين بن واقد عن أبي غالب عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّم. كما ذكر المزي في «تحفة الأشراف» برقم (5169)، وهو المحفوظ كما قال الدارقطني.
ورواه إسماعيل بن أبان الغنوي الكوفي، عن حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، بلفظ: «أهل البدع كلاب النار».
وإسماعيل هذا ليس بشيء متروك! قال أحمد: "حدث بأحاديث موضوعة"، وقال البخاري: "متروك"، وقال ابن حبان: "كان يضع الأحاديث على الثقات".
وقد سئل الدارقطني في «العلل» برقم (2701) عن حديث أبي غالب، عن أبي أمامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أهل البدع كلاب النار)؟
فقال: "يرويه إسماعيل بن أبان، عَنْ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أبي غالب بهذا اللفظ.
ويرويه غيره عن الأعمش، عن حسين بن واقد، عن أبي غالب، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: الخوارج كلاب النار، وهو المحفوظ".
قلت: فرجع حديث الأعمش إلى حديث أبي غالب عن أبي أمامة، وهذا يدلّ على أن إسحاق الأزرق ربما وهم فيه على الأعمش، فرواه عنه عن ابن أبي أوفى، وكأنه دخل له هذا الحديث بالحديث السابق الذي يُروى عن ابن جهمان عن ابن أبي أوفى، ولا يصح، والله أعلم.
والخلاصة أن حديث «الخوارج كلاب النّار» منكر! وطرقه ترجع لحديث أبي غالب وهو منكر الحديث، ولا يتقوى بالطرق الأخرى المجهولة والمرسلة والمنكرة!
وهذا اللفظ الذي رواه أبو غالب عن أبي أمامة لا يوجد في الأحاديث التي رُويت عن قصة ذي الخويصرة، فهي زائدة عليها! فكيف نقبلها وقد تفرد بها راوٍ ضعيف منكر الحديث؟!
❐ فائدة:
قد سبق قول أبي نُعيم الأصبهاني: "يُقال إن هذا الحديث مما خصّ به الأعمش إسحاق الأزرق".
قلت: وهذا الاختصاص إنما جاء فيما رواه الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (6/319) قال: أخبرنا أبو نصر محمد بن عبيدالله بن الحسن بن زكريا المقرئ – بالدينور-، قال: حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن علي الزيات - ببغداد إملاء – قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبدالله بن أَيُّوبَ المخرَّمي - إملاء – قال: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ حَمَّادٍ سَجَّادَةَ يَقُولُ: «بَلَغَنِي أَنَّ أمَّ إِسْحَاقَ الأَزْرَقِ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، إنَّ بالكوفةِ رجُلاً يَستَخِفُّ بأصحابِ الحديثِ، وأَنْتَ عَلَى الحجِّ أسألُكَ بحَقِّي عَلَيْك أنْ تَسمَعَ مِنْهُ شَيْئاً، قالَ إِسْحَاقُ: فدخلتُ الكوفةَ فَإِذَا الأَعْمَشُ قاعدٌ وَحْدَه، فَوَقَفْتُ عَلَى بابِ المسجدِ، فَقُلْتُ: أمِّي والأَعْمَش، وَقَدْ قَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)، فقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ حَدِّثْنِي فإنيِّ رجُلٌ غريبٌ، قَالَ: مِنْ أيْنَ أنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ وَاسِطَ، قَالَ: فَمَا اسْمُك؟ قُلْتُ: إِسْحَاقُ بنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، قَالَ: ولا خُيِّبْتَ، ولا خُيِّبَتْ أمُّك، أليس حرَّجَتْ عَلَيْكَ أَلَّا تسمعَ منيِّ شَيْئًا؟، قُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، ليْسَ كلُّ مَا بَلَغَك يكونُ حَقًّا، قالَ: لأُحدِّثَنَّك بحديثٍ مَا حدَّثْتُ بِهِ أَحَدًا قَبْلَك، فحَدَثَني أنَّ ابنَ أَبِي أَوْفَى قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: الخَوَارِجُ كِلاَبُ النَّارِ».
ورواه أبو الحسين المبارك بن عبدالجبار الطيوري في «الطيوريات» [بانتخاب الحافظ أبي طاهر السِّلفي] برقم (694) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بن أحمد العتِيقِي، قال: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ محمد بن علي الزيات، به.
قلت: هذه قصة منكرة! وقد رواه سجادة بالبلاغ، فهو منقطع!