ابو داؤد
رکن
- شمولیت
- اپریل 27، 2020
- پیغامات
- 649
- ری ایکشن اسکور
- 197
- پوائنٹ
- 77
(المنزلة بين المنزلتين) عند أئمة الدعوة النجدية؟
يدرك الناظر في أبحاث النجديين أنهم يفرّقون بين التكفير الوصفي الاسمي وبين التكفير الحكمي العقابي.
وبعبارة أدق: التمييز بين التكفير العقلي وبين التكفير السمعي، حتى صار التفريق بين التكفير وبين التشريك اصطلاحا خاصّا بهم فتراهم ينفون التكفير عن الجاهل مع تقرير الشرك ونفي الإسلام عنه مطلقا؛ ذلك أنهم قرّروا: أن الجاهل المشرك لا يكفّر حتى تبلغه الدعوة، لكن لا يقال: إنه مسلم، بل هو مشرك لقيام وصف الشرك به.
اعتاص هذا الحكم على بعض المجادلين عن المشركين، ومنهم الوزير صالح آل الشيخ؛ فمرّة نسبوا الاضطراب إلى الشيخ ابن عبد الوهاب، ومرة جعلوا بعض كلامه صريحا في الإعذار بالجهل، وبعضه موهماً خلاف الصواب، وبعضهم زعم تفرد حمد بن ناصر بالنطرية.
والجواب من وجوه:
الوجه الأول: إثبات تلك النظرية من كلام طائفة من علماء نجدٍ الكبار مثل: الحسين، وعبد الله ابنا الشيخ محمد، وحمد بن ناصر والقاضي عبد العزيز، والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن.
وإليك بعض ما قالوا!
1-سئل أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب: حسين وعبد الله وحمد بن ناصر رحمهم الله عن المؤمن بالله ورسوله إذا قال أو فعل ما يكون كفرا، جهلا منه بذلك، فلا تكفرونه، حتى تقوم عليه الحجة الرسالية، فهل لو قتل من هذا حاله، قبل ظهور هذه الدعوة، موضوع أم لا؟
فأجابوا: «إذا كان يعمل بالكفر والشرك، لجهله، أو عدم من ينبهه، لا نحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة، ولكن لا نحكم بأنه مسلم، بل نقول عمله هذا كفر، يبيح المال والدم، وإن كنا لا نحكم على هذا الشخص، لعدم قيام الحجة عليه.
لا يقال: إن لم يكن كافرا، فهو مسلم، بل نقول عمله عمل الكفار، وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه، متوقف على بلوغ الحجة الرسالية.
وقد ذكر أهل العلم: أنّ أصحاب الفترات، يمتحنون يوم القيامة في العرصات، ولم يجعلوا حكمه حكم الكفار، ولا حكم الأبرار.
وأما حكم هذا الشخص إذا قُتِل، ثمّ أسلم قاتله، فإنّا لا نحكم بديته على قاتله إذا أسلم، بل نقول: الإسلام يجبّ ما قبله، لأن القاتل قتله في حال كفره».
2-وسئل الشيخ حسين وعبد الله عمن مات قبل هذه الدعوة التوحيدية؟
فقالا:
«أن من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة، فالذي يحكم عليه أنه إذا كان معروفا بفعل الشرك ويدين به ومات على ذلك فهذا ظاهره أنه مات على الكفر، ولا يدعى له، ولا يضحّى له، ولا يتصدق عليه.
أما حقيقة أمره فإلى الله تعالى.
فإن كان قد قامت عليه الحجة في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن، وإن كان لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله تعالى».
3-وقال الشيخ عبد العزيز قاضي الدرعية لما سئل عن المؤمن بالله ورسوله إذا قال أو فعل ما يكون كفرا جهلا منه بذلك فلا تكفرونه حتى تقوم عليه الحجة؟
فأجاب: «إذا كان يعمل بالكفر والشرك لجهله ولعدم من ينبهه لا نحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة، ولكن لا نحكم بأنه مسلم، بل نقول عمله هذا كفر يبيح المال والدم، وإن كنا لا نحكم على هذا الشخص لعدم قيام الحجة عليه.
ولا يقال: إن لم يكن كافرا فهو مسلم، بل نقول عمله عمل الكفار وإطلاق الحكم على هذا الشخص بعينه متوقف على بلوغ الحجة الرسالية إليه، وقد ذكر أهل العلم أن أصحاب الفترات يمتحنون يوم القيامة في العرصات، ولم يجعلوا حكمهم حكم الكفار ولا حكم الأبرار».
4-وقال الشيخ عبد الله بن محمد رحمه الله:
«أما من مات وهو يفعل الشرك جهلا لا عنادا فهذا نكل أمره إلى الله تعالى، ولا ينبغي الدعاء له والترحم عليه والاستغفار له، وذلك لأن كثيرا من العلماء يقولون من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة، كما قال تعالى: ﴿لأنذركم به ومن بلغ﴾».
5-وقال الشيخ حمد بن ناصر رحمه الله:
«وأما من كان يعبد الأوثان ومات على ذلك قبل ظهور هذا الدين فهذا ظاهره الكفر، وإن كان يحتمل أنّه لم تقم على الحجة الرسالية لجهله وعدم من ينبهه، لأنا نحكم على الظاهر، وأما الحكم على الباطن فذلك إلى الله، والله تعالى لا يعذّب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، كما قال تعالى: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾.
وأما من مات منهم مجهول الحال فهذا لا نتعرض له ولا نحكم بكفره ولا بإسلامه، وليس ذلك مما كلفنا به، ﴿تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون﴾».
6-وقال الشيخ أيضا: «إذا تقرّر هذا فنقول؛ إن هؤلاء الذين ماتوا قبل ظهور هذه الدعوة الإسلامية، وظاهر حالهم الشرك لا نتعرض لهم ولا نحكم بكفرهم ولا بإسلامهم.
بل نقول: من بلغته هذه الدعوة المحمدية، وانقاد لها، ووحد الله، وعبده وحده لا شريك له، والتزم شرائع الإسلام، وعمل بما أمره الله به، وتجنب ما نهاه عنه، فهذا من المسلمين الموعودين بالجنة، في كل زمان وفي كل مكان.
وأما من كانت حاله حال أهل الجاهلية، لا يعرف التوحيد الذي بعث الله رسوله يدعو إليه، ولا الشرك الذي بعث الله رسوله ينهى عنه، ويقاتل عليه، فهذا لا يقال إنه مسلم لجهله؛ بل من كان ظاهر عمله الشرك بالله، فظاهره الكفر، فلا يستغفر له ولا يتصدق عنه، ونكل حاله إلى الله الذي يبلو السرائر، ويعلم ما تخفي الصدور.
ولا نقول: فلان مات كافرا، لأنا نفرق بين المعين وغيره، فلا نحكم على معين بكفر، لأنا لا نعلم حقيقة حاله وباطن أمره؛ بل نكل ذلك إلى الله، ولا نسب الأموات؛ بل نقول: أفضوا إلى ما قدموا. وليس هذا من الدين الذي أمرنا الله به؛ بل الذي أمرنا به أن نعبد الله وحده ولا نشرك به، ونقاتل من أبى عن ذلك، بعد ما ندعوه إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا أصرّ وعاند كفرناه وقاتلناه...».
7-واعتبر الشيخ حمد بن ناصر الرافضة كفاراً أصليين ولا يُعذرون بالجهل.
8-وقال العلامة عبد اللطيف في الجاهل المعرض، والعاجز الذي لم يتمكن من العلم:
«وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم، ولا يدخلون في مسمى المسلمين، حتى عند من لم يكفِّر بعضهم ...
وأما الشرك، فهو يصدق عليهم، واسمه يتناولهم، وأيّ إسلامٍ يبقى مع مناقضة أصله؟».
ولا ريب أن ما ذكرناه يكفي في توثيق النسبة والنظرية.
وإذا كان الأمر كذلك فهذه النّصوص صرائح في أنّ المشرك الجاهل غير مسلم، ولا كافر الكفر الذي يستلزم العقوبة، بل هو مشرك غير مستباح الدم والمال حتى تقوم عليه الحجة.
وليس للنجديين قول مخالف لهذا.
الوجه الثاني: زعم المجادل عن المشركين أنّ الشيخ حمد بن ناصر انفرد بهذه النظرية عن النجديين.
وهو زعم باطل كما سبق بيانه آنفا لأن هذا الحكم قرره كبار القوم مثل: - الشيخ حسين خليفة الشيخ ابن عبد الوهاب وقاضي الدرعية،
- والشيخ عبد الله خليفة أخيه حسين، والقاضي في الدرعية في إمارة سعود وابنه عبد الله،
- والشيخ القاضي عبد العزيز بن عبد الله بن الحصين،
- والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في آخرين.
الوجه الثالث: بحث النجديين لا يقتضي نظرية الاعتزال (المنزلة بين المنزلتين)، بل صريح في أن المشرك غير مسلمٍ، لكن لا يستباح دمه وماله قبل الدعوة، وأن نفي التكفير لا يعني الحكم له بالإيمان.
غاية ما هنالك: تأجيل العقوبة الدنيوية إلى بلوغ الدعوة، كما تركوا حكمه في الآخرة لله تعالى كأهل الفترات.
الوجه الرابع: إن قيل: ما وجه التكفير من وجهٍ، وعدم التكفير من جهة أخرى؟
فالجواب: أن يقال: هذا من قاعدة تبعّض الأحكام، وذلك أن يكون الفرع يأخذ مشابهةً من أصلين فيعطى حكمين مختلفين ولا يمحّض لأحد الأصلين.
وتقريره: أن قيام الشرك في المعيّن يقتضي الحكم بكفره ربطاً للحكم بسببه، لكن جهله يقتضي عدم العقوبة قبل الدعوة إلى التوحيد؛ فأعطي الجاهل المشرك حكما بين حكمين.
وهذا خير من تمحيض حكمِ المعاند له؛ فإنّه يقتضي عدم تأثير الجهل ولو في العقوبة الدنيوية،
وهو خير أيضا من إلحاق عابد الأوثان بأهل التوحيد؛ لأن الإلحاق يقتضي إهمال حقيقة الشرك القائم بالشخص، ويستلزم اجتماع الضدّين (التوحيد، الشرك) في آن واحدٍ وهو محال؛ فظهر أن إعمال الأصلين أولى من إهمال أحدهما كالدليلين.
ومن هذا الأصل: تبعيض أحكام الكفر نظراً إلى أسباب يقتضي بعضها غير ما يقتضي الآخر، مثل أن يقال: المشرك الجاهل المنتسب كافر في أحكام فلا يصلّى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يستغفر له ولا يضحّى عنه، ولا يوالى، لكنه لا يستباح دمه وماله في الدنيا إلا بعد الدعوة كما قال بعض الفقهاء في أحكام المرتد: «المرتد في حق الأحكام مسلم من وجهٍ، كافر حربي من وجهٍ».
نعم لا علاقة لهذا التقرير بنظرية التوقّف والتبيّن الأخنسية أو البيهسية ولا ببدعة المنزلة بين المنزلتين؛ لأنّ صاحب الكبيرة عند المعتزلة مسلم في الدنيا كافر في الآخرة، والمشرك الجاهل غير مسلم في الأحكام الدنيوية، وحكمه في الآخرة إلى الله عند النجديين.
وهذا له شواهد ذكرتها في: «الحارق لأوراق طارق» أعني «سلسلة المقالات» فليراجعه من شاء.
ويشهد له: أن الأصل ترتّب المسبَّبِ على السبب من غير اعتبار شرطٍ في إعمال السبب؛ فالتكفير من تعليق المسبّب على سببه، والأسباب من خطاب الوضع، لكن السبب الكفريّ قد يجتمع فيه الخطابان، حيث يتعلّق به التحريم وهو تكليفي، ويتعلق به التكفير وهو وضعيّ، ولكل حكم آثاره، فيفرّق بين تكفير المرء نظراً إلى قيام السبب به وهو وضعيّ، فلا يشترط العلم، وبين ترتيب العقوبة عليه لانتهاكه حرمة النهي وهو تكليفي؛ فتشترط الدعوة قبل العقوبة.
ألا ترى: أن أموال النّساء والصبيان والمجانين تستباح بالكفر بخلاف دمائهم؟
وأنّ أحكام الكفر والإسلام قد تثبت تبعاً مع عدم قيام حقيقة الكفر بالمرء كالصبيّ والمجنون يلحق بحكم أبويه في الكفر والإسلام كما قال ﷺ: «فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه أو يشرّكانه»، مع أنّه لا يتبعهما في سائر الأحكام؛ فإسلام الوالد وكفره إسلام له، وليس إقرار الوالد وعتقه وطلاقه وهبته إقراراً وعتاقا له؛ فلا غرو أن تثبت بعض أحكام الكفر عند قيام السبب مع وجود الجهل إذا كانت تثبت مع انتفاء العقل والبلوغ وانتفاء حقيقة الكفر في الصبيان والمجانين.
وأحسب تفريق الأستاذ أبي منصور (429هـ) بين أهل البدع وإعطاء بعضهم حكم الكفار بالإطلاق، وبعضهم حكما بين حكمين من هذا الأصل؛ فإنه قال بعد الصنف الأول:
«وإن كانت بدعته من جنس بدع الرافضة الزيدية، أو الرافضة الإمامية، أو من جنس بدع أكثر الخوارج، أو من جنس بدع المعتزلة، أو من جنس بدع النّجّارية، أو الجهمية، أو الضرارية، أو المجسّمة من الأمة، كان من جملة أمة الإسلام في بعض الأحكام، وهو أن يدفن في مقابر المسلمين، ويدفع إليه سهمه من الغنيمة إن غزا مع المسلمين، ولا يمنع من دخول مساجد المسلمين ومن الصلاة فيها.
ويخرج في بعض الأحكام عن حكم أمّة الإسلام، وذلك أنّه لا تجوز الصلاة عليه، ولا الصلاة خلفه، ولا تحلّ ذبيحته، ولا تحلّ المرأة منهم للسني، ولا يصح نكاح السنية من أحد منهم».
الخلاصة:
تقرير أئمة الدعوة التوحيدية عدم قتل الجاهل قبل الدعوة رأي لا بأس به، أفتى بموجبه الفقهاء في جاهل التوحيد، وجمهور السلف في الصبي المميز المشرك؛ فعلينا أن نحمل كلام الأئمة على ما يناسب من التفصيل والإجمال في كل موضع.
وعلى هذا، نفي الإسلام عن المشرك وإثبات اسم المشرك له حقيقة لا يمكن لعالمٍ أن ينازع فيها؛ لأنه لا يمكن شرعا إثبات وصف الإسلام لمعين استقلالاً مع انتفاء حقيقة الإسلام؛ فالإسلام ضدّ الشرك، والشرك ضدّ الإسلام كيف يجتمعان؟
الوجه الخامس: بيّن النجديون الباعث على تبعيض الأحكام قبل الدعوة كما أجابوا عن شبهة المجادل عن المشركين في قولهم: «فنقول: أمّا من دخل منهم في دين الإسلام ثمّ ارتد، فهؤلاء مرتدون، وأمرهم عندك واضح.
وأما من لم يدخل في دين الإسلام، بل أدركته الدعوة الإسلامية وهو على كفره، كعبدة الأوثان، فحكمه حكم الكافر الأصلي؛ لأنا لا نقول: الأصل إسلامهم والكفر طارئ عليهم، بل نقول: الذين نشأوا بين الكفار، وأدركوا آباءهم على الشرك بالله، كآبائهم، كما دل عليه الحديث الصحيح في قوله: "فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"، فإن كان دين آبائهم الشرك بالله، فنشأ هؤلاء واستمروا عليه، فلا نقول: الأصل الإسلام، والكفر طارئ عليهم، بل نقول: هم الكفار الأصليون.
ولا يلزمنا على هذا تكفير من مات في الجاهلية قبل ظهور الدين، فإنا لا نكفر الناس بالعموم، كما أنا لا نكفّر اليوم بالعموم.
بل نقول: من كان من أهل الجاهلية عاملا بالإسلام تاركا للشرك فهو مسلم. وأمّا من كان يعبد الأوثان ومات على ذلك قبل ظهور هذا الدين، فهذا ظاهره الكفر، وإن كان يحتمل أنه لم تقم عليه الحجة الرسالية لجهله وعدم من ينبهه، لأنا نحكم على الظاهر.
وأما الحكم على الباطن فذلك إلى الله تعالى، لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، كما قال تعالى: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾.
وأما من مات منهم مجهول الحال، فهذا لا نتعرض له، ولا نحكم بكفره ولا بإسلامه، وليس ذلك مما كلفنا به ﴿تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون﴾.
فمن كان منهم مسلما أدخله الله الجنة.
ومن كان كافرا أدخله النار.
ومن كان منهم لم تبلغه الدعوة فأمره إلى الله؛ وقد علمت الخلاف في أهل الفترات، ومن لم تبلغهم الحجة الرسالية.
وأيضا: فإنه لا يمكن أن نحكم في كفار زماننا بما حكم به الفقهاء في المرتد، أنه لا يرث ولا يورث، لأن من قال: لا يرث ولا يورث، يجعل ماله فيئا لبيت مال المسلمين!
وطرد هذا القول أن يقال: جميع أملاك الكفار اليوم بيت مال لأنهم ورثوها عن أهليهم، وأهلوهم مرتدون لا يورثون، وكذلك الورثة مرتدون لا يرثون، لأن المرتد لا يرث ولا يورث.
وأمّا إذا حكمنا فيهم بحكم الكفار الأصليين، لم يلزم شيء من ذلك، بل يتوارثون، فإذا أسلموا، فمن أسلم على شيء فهو له، ولا نتعرض لما مضى منهم في جاهليتهم، لا المواريث ولا غيرها.
وقد روى أبو داود عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم، وكل قسم أدركه الإسلام فهو على قسم الإسلام" وروى سعيد في سننه من طريقين، عن عروة، وابن أبي مليكة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"من أسلم على شيء فهو له"، ونصّ أحمد على مثل ذلك، كما تقدم عنه في رواية مهنا...».
هذا تفصيل رائع في حكم العباد قبل الدعوة التوحيدية، حرّره يراع كبار أصحاب الشيخ رحمهم الله جميعا.
ولا يذهب عنك: أن معنى كون الشيء أصلاً هو: سَبْقه في الوجود الحسي أو الحكميّ.
وكل من الإسلام والشرك يتقدّم الآخر كما كانت العرب على الإسلام، ثم غلب عليهم الشرك؛ فقيل فيهم: الأصل فيهم الشرك حتى يثبت فيهم الإيمان، فكذلك من كان قبل الدعوة في البلاد النجدية غلب عليهم الشرك بأنواعه حتى نشأ فيه الصغير وهرم عليه الكبير فكانوا كالكفار الأصليين كما قال الشيخ ابن إسماعيل الصنعاني، والشيخ حمد بن ناصر في النقل المذكور آنفا.
وهذا الذي قالوه هو مقتضى الأصول العلمية؛ لأن الإسلام مع الشرك غير معتبر.
وهو الذي اختاره الصنعاني في عباد الأولياء بقوله:
«وهذا دالّ على أنهم لم يعرفوا حقيقة الإسلام، ولا ماهيّة التوحيد؛ فصاروا حينئذ كفّاراً كفراً أصليّا».
وعلى أيّ حالٍ فالنجديون لم يحكموا بوصف الإسلام للجاهل ولا حكموا بوجوب قتله قبل الدعوة إلى إخلاص الدين لله رب العالمين.
وهذا كلّه توجيه وتقرير لمقالة النجديين في الجاهل المشرك وقد أبنّا مخالفتنا لهم في ذاك التفصيل في غير هذا الموضع.
جملة القول: نفي التكفير عند النجديين لا يعني الحكم بالإسلام وإنما نفي العقوبة لا نفي حقيقة الحكم، وإلا لزم أن لا يتحقّق مسمّى الكفر إلا إذا عوقب صاحبه، فإن منع مانع من العقاب انتفى الاسم والحكم! وهذا من مذهب بعض المعتزلة وهو من غرائب الجهل بالأصول وقواعد العلم في مسألة الاسم والحكم.
قال شيخ الإسلام: «دين الإسلام الذي ارتضاه الله وبعث به رسله هو: الاستسلام لله وحده...، فمن عبده وعبد معه إلها آخر، لم يكن مسلماً، ومن لم يعبده، بل استكبر عن عبادته لم يكن مسلما».
وقال الشيخ عثمان بن فودي: «ومن عبد غير الله مشرك كافر، بإجماع المسلمين، وإن كان ينسب نفسه للإسلام».
* أعاذ الله الشيخ ابن عبد الوهاب وأصحابه من مخالفة الضرورات الشرعية وخرق الإجماعات والجمع بين النقيضين (التوحيد والشرك).
والمقصود: أن النجديين لم يجعلوا حكم الجاهل المشرك كالمعاند من جميع الوجوه، ولا حكموا له بالإسلام مع الجهل كما سلف.
والله الموفق.