مقدمة كتاب تقريب التهذيب لابن حجر
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي رفع بعض خلقه على بعض درجات، وميز بين الخبيث والطيب الدلائل والسمات (الواضحات والبينات) (1)، وتفرد بالملك فإليه منتهى الطلبات والغربات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الاسماء الحسين والصفات، الناقد البصير لاخفي الخفيات، الحكم العدل، فلا يظلم مثقال ذرة ولا يخفي عنه مقدار ذلك في الارض (2) والسموات.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بالايات البينات، والحجج النيرات، الامر بتنزيل الناس ما يليق بهم من المنازل والمقامات، صلى الله وسلم (3) عليه وعلى اله وصحبه الساگة الانجاب الكرماء الثقات.
أما بعد: فإني لما فرغت من تهذيب " تهذيب الكمال في أسماء الرجال " الذي
جمعت فيه مقصود التهذيب، لحاظ عصره أبي الحجاج المزي ز من تمييز أحوال الرواة المذكورين فيه وضممت إليه مقصود إكماله، للعلامة علاء الدين مغلطاي، مقتضرا منه على ما اعتبرته عليه، وصححته، من مظانه، من بيان أحوالهم أيضا، وزدت عليهما في كثير من التراجم ما يتعجب من كثرته لديهما، ويستغرب خفاؤه عليهما، وقع الكتاب المذكور من طلبة الفن موقعا حسنا، عند المميز البصير، إلا أنه طال إلى أن جاوز ثلث الاصل، " والثلث كثير "، فالتمس مني بعض الاخوان أن أجرد له الاسماء خاصة، فلم أوثر ذلك لقلة جدواه على طالبي هذهالفن، ثم رأيت أن أجيبه إلى مسألته، وأسعفه بطلبته، على وجه يحصل مقصوده بالافادة، ويتضمن
الحسنى التي أشار إليها وزيادة، وهي: أنني (5) أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه، وأعدل ما وصف به: بألخص عبارة، وأخلص إشارة، بحيث لا تزيد كل ترجمته على سطر واحد غالبا، يجمع اسم الرجل واسم / أبيه وجده، ومنتهى أشهر نسبته ونسبه، وكنيته ولقبه، مع ضبط ما يشكل من ذلك بالحروف، ثم صفته التي يختص بها من جرح أو تعديل، ثم العريف بعصر كل راو منهم، بحيث يكون قائما مقام ما حذقفته من ذكر شيوخه والرواة عنه، إلا من لا يؤمن لبسه.
وباعتبار ما ذكرته: انحصر لي الكلام على أحوالهم في اثنتي عشرة مرتبة، وحصر طبقاتهم في اثنتي عشرة طبقة.
فأما المراتب: فأولها: الصحابة: فأصرح بذلك لشرفهم.
الثانية: من أكد مدحه: إما: بأفعل: كأوثق الناس، أو بتكرير الصفة لفظا: كثقة ثقة، ومعنى: كثقة حافظ.
الثالثة: من من أفرد بصفة، كثقة، أو متقن، أو ثبت، أو عدل،
الرابعة: من قصر عن درجة الثالثة قليلا وإليه الاشارة، بصدوق، أو لا بأس به، أو ليس به بأس.
الخامسة من قصر عن (درجة) الرابعة قليلا، وإليه الاشارة بصدوق، سيئ الحفظ، إو صدوق يهم، أو: له أوهام، أو يخطئ، أو تغير بأخرة، ويلتحق بذلك من رمي بنوع من البدعة: كاتشيع، والقدر، والنصب، والارجاء، والتجهم مع بيان الداعية من غيره.
السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الاشارة بلفظ: مقبول، حيث يتابع، وإلا فلين الحديث.
السابعة: من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الاشارة بلفظ: مستور، أو مجهول الحال، الثامنة: من لم يوجد فيه توثيق لمعمتر، ووجد فيه إطلاق الضعف، ولو لم يفسر، وإليه الاشارة بلفظ: ضعيف.
التاسعة: من لم يرو عنه غير واحد، ولم يوثق، وإليه الاشارة بلفظ: مجهول.
العاشرة: من لم يوثق البته، وضعف مع ذلك بقادح، وإليه الاشارة بمتروك، أو متروك الحديث، أو واهي الحديث، أو ساقط.
الحادية عشرة: من اتهم بالكذب.
الثانية عشرة: من أطلق عليه اسم الكذب، والوضع.
وأما الطبقات: فالاولى: الصحابة على اختلاف مراتبهم، وتمييز من ليس له منهم إلا مجرد الرؤية (7) من غيره.
الثانية: طبقة كبار التابعين كابن المسيب، فإن كان مخضرما صرحت بذلك،
الثالثة: الطبقة الوسطى من التابعين، كالحسن وابن سيرين.
الرابعة: طبقة تليها، جل روايتهم عن كبار التابعين، كالزهري وقتادة.
الخامسة: الطبقة الصغرى منهم، الذين رأوا الواحد والاثنين، ولم يثبت لبعضهم السماع من / الصحابة، كالاعمش.
السادسة: طبقة عاصروا الخامسة، لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة، كابن جريج.
السابعة: طبقة أتباع التابعين، كمالك والثوري.
الثامنة: الطبقة الوسطى منهم، كابن عيينة وابن علية.
التاسعة: الطبقة الصغرى من أتباع التابعين، كيزيد بن هارون، والشافعي وأبي داود الطيالسي، وعبد الرزاق.
العاشرة: كبار الاخذين عن تبع الاتباع، ممن لم يلق التابعين، كأحمد بن حنبل.
الحادية عشرة: الطبقة الوسطى من ذلك، كالذهلي والبخاري.
الطبقة (8) الثانية عشرة: صغار الاخذين عن تبع الاتباع، كالترمذي.
وألحقت بها باقي شيوخ الائمة الستة، الذين تأخرت وفاتهم قليلا، كبعض شيوخ النسائي.
وذكرت وفاة من عرفت سنة وفاته منهم.
فإن كان من الاولى والثانية: فهم قبل المائة.
وإن كان في الثالثة إلى آخر الثامنة: فهم بعد المائة.
وإن كان من التاسعة إلى آخر الطبقات: فهم بعد المائتين، ومن نذر عن ذلك
بينته.
/ وقد اكتفيت بالرقم على أول اسم كل راو إشارة إلى من أخرج حديثه من الائمة، فالبخاري في صحيحه: خ، فإن كان حديثه عنده معلقا: خت، وللبخاري في " الادب المفرد "، بخ، وفي " خلق أفعال العباد ": عخ، وفي جزء القراءة: ز، وفي " رفع اليدين " ي.
ولمسلم: م ولابي داود: د، وفي " المراسيل " له: م د، وفي " فضائل الانصار ": صد، وفي
" الناسخ) " خ د، وفي " القدر ": قد، وفي " التفرد ": ف، وفي " المسائل ": ل، وفي " مسند مالك: " كد.
وللترمذي: ت، وفي " الشمائل " له: ت م، وللنسائي: س، وفي " مسند علي " له: ع س، وفي " مسند مالك: " ك ن.
ولابن ماجة: ق، وفي التفسير له: فق (11).
فإن كان حديث الرجل في أحد الاصول الستة، أكتفي برقمة، ولو أخرج له في غيرها.
وإذا اجتمعت فالرقم: 4.
وأما علامة: ع فهي لهم سوي الشيخين.
ومن ليست له عندهم رواية، مرقوم عليه: تميزز، إشارة إلى أنه ذكر ليتميز عن غيره.
ومن ليست عليه علامة نبه عليه، وترجم قبل أو بعد.
وسميته: " تقريب التهذيب "، والله سبحانه وتعالى أسأل أن ينفع به قارئه وكاتبه والناظر فيه، وأن يبلغنا من فضله، وإحسانه ما نؤمله ونرتجيه، إنه ولي ذلك والقادر
عليه، لا إله إلا هو، عليه توكلت وإليه أنيبه * * *